تهدف دراسة مناهج البحث إلى مساعدة الدارس على تنمية قدراته على فهم أنواع البحث والإلمام بالمفاهيم والأسس والأساليب التي يقوم عليها البحث العلمي.
تصنيف مناهج البحث:
إن البحث العلمي بمختلف أشكاله يقوم على أساس منهج الملاحظة المنظمة والموضوعية وتسجيل الأحداث ووصفها، وفيما يلي نعرض للأبعاد الست الرئيسية للبحث العلمي في مجال البحوث النفسية وهي:
أ – بحوث وصفية/ بحوث تفسيرية.
ب – بحوث طبيعية/ بحوث معالجات: الطبيعية التي لا دخل للباحث في حدوث التفاعلات، أما المعالجات فإن الباحث يتدخل في التفاعلات.
ج – بحوث تاريخية/ بحوث غير تاريخية
د – بحوث نظرية/ بحوث غير نظرية: النظرية التي تنطلق من أساس نظرية معينة، أما غير النظرية فهي تبحث ظاهرة محددة أو متغيرات.
هـ - بحوث أساسية/ بحوث تطبيقية: تساهم البحوث الأساسية في تقدم المعرفة أم البحوث التطبيقية فتساهم في تقدم التكنولوجيا.
و – بحوث تجرى على مفحوص واحد/ بحوث تجرى على جماعة:
في حالة بحوث المفحوص الواحد فإن السلوك والتغيرات التي تحدث فيه لفرد معين في زمان معين يكون هو محور الدراسة، أما في البحوث التي تستخدم فيها المجموعات فإن الباحث يقصد التوصل إلى المتوسطات بغض النظر عن درجات كل فرد في المجموعة مهما كان قربها أو بعدها عن ذلك المتوسط.
ويمكن تقسيم البحوث النفسية إلى فئتين كبيرتين من حيث المنهج المستخدم هنا:
أ – البحوث التجريبية:
تعد التجربة العلمية من أقوى وسائل البحث على الإطلاق، ونشير هنا إلى أهم الخطوات الواجب اتباعها في البحث التجريبي:
1 – هل يمكن للباحث أن يختبر المشكلة تجريبياً؟
2 – هل يمكن إجراء تجربة عليها؟
3 – بعد تأكنا من هذين السؤالين فإننا يجب أن نحدد مفاهيم البحث تحديداً دقيقاً وموضوعياً وإجرائياً، حتى لا يساء تفسير النتائج.
4 – اختيار العينة.
5 – العينة التجريبية/ العينة الضابطة.
6 – تصميم الموقف التجريبي: بشرط أن يكون قابلاً للإعادة.
7 – تحليل النتائج.
8 – قابلية التجربة للإعادة والتصميم.
ب – البحوث غير التجريبية:
أولاً: البحوث الارتباطية:
الارتباط يعني علاقة بين متغيرين قد تكون هذه العلاقة موجبة، بمعنى أن أي زيادة في المتغير الأول يصحبها زيادة في المتغير الثاني والعكس صحيح، وقد يكون الارتباط سالباً بمعنى أن أي زيادة في المتغير الأول يتبعها نقص في المتغير الثاني، وقد يكون صفرياً بمعنى أن لا توجد أي علاقة بين المتغيرين.
- إن الإرتباط لا يعني أبداً أن أحد المتغرين سبباً والآخر نتيجة.
ثانياً: الملاحظة الطبيعية:
وهي الملاحظة العلمية المنظمة والهادفة والتي تتم خارج المعمل وفي البيئة الطبيعية.
ثالثاً: دراسة الحالة:
في هذا النوع الباحثون يحللون السلوك والانفعالات والمتعتقدات من واقع تاريخ حالة فرد بعينه بصورة أكثر عمقا، وفي بعض القضايا العلمية تكون دراسة الحالة هي الوسيلة الوحيدة التي تغني عن التجريب أو الدراسات الارتباطية.
وسوف نعرض لمناهج البحث المستخدمة في الأبحاث النفسية والتربوية بالتفصيل:
أولاً: المنهج الوصفي:
يهدف المنهج الوصفي إلى توصيف الظواهر في الحاضر توصيفاً علمياً ومحاولة الكشف عما بينها من علاقات فالمنهج الوصفي يقوم بوصف ما هو كائن وتفسيره وهو يهتم بتحديد الظروف والعلاقات التي توجد بين الوقائع.
ولا يقتصر البحث الوصفي على جمع البيانات وتبويبها وإنما يمضي إلى ما هو أبعد من ذلك لأنه يتضمن قدراً من التفسير لهذه البيانات، ولذلك كثيراً ما يقترن الوصف بالمقارنة وتستخدم في البحث الوصفي أساليب القياس والتصنيف والتفسير.
وتعد الملاحظة أهم أدوات المنهج الوصفي، ويمكن تصنيفها إلى فئتين هما: الملاحظة البسيطة والملاحظة المنظمة.
الملاحظة البسيطة:
يقصد بها ملاحظة الظواهر كما تحدث تلقائياً في ظروفها الطبيعية دون إخضاعها للضبط العلمي، ويمكن أن تتم الملاحظة البسيطة بإحدى طريقتين:
1 – الملاحظة دون مشاركة: وهي التي يقوم فيها الباحث بالملاحظة دون أن يشترك في أي نشاط تقوم به الجماعة موضوع الملاحظة.
2 – الملاحظة بالمشاركة: وهي التي تضمن اشتراك الباحث في حياة الناس الذين يقوم بملاحظتهم ومساهمته في أوجه النشاط التي يقومون بها لفترة موقتة.
الملاحظة المنظمة:
تخضع للضبط العلمي سواء بالنسبة للقائم بالملاحظة أو الأفراد الملاحظين أو الموقف الذي تجرى فيه الملاحظة، ومن أمثلتها المذكرات التفصيلية، والصور الفوتوغرافية، والخرائط واستمارات البحث.
الأسس المنهجية للدراسات الوصفية:
1 – التجريد: يعني عزل وانتقاء مظاهر معينة من كل عياني لجزء من عملية تقويمية أو توصيله للآخرين.
2 – التعميم: إذا صنفت الوقائع على أساس عامل مميز أمكن استخلاص حكم أو أحكام تصدق على فئة معينة منها.
أنواع الدراسات في المنهج الوصفي:
أ – الدراسات المسحية:
وهي بمثابة محاولات لجمع البيانات التفصيلية عن ظاهرة معينة وخاصة لوضع الخطط الاجتماعية أو الاقتصادية أو التربوية، وتساعد في الكشف عن اتجاهات الإنسان وتفكيره وشخصيته وتفاعله الاجتماعي مع ذاته.
ب – دراسات العلاقات المتبادلة:
وهي تفيد في الكشف عن العلاقات بين الحقائق التي يحصل عليها الباحثون ولهذه الدراسات أشكال معروفة هي:
1 – دراسة الحالة:
وهي نوع من الدراسات المتعمقة وراء العوامل المتشابكة التي تسهم في فردية اجتماعية واحدة، سواء كان ذلك شخصاً أو أسرة أو جماعة أو مؤسسة اجتماعية أو مجتمع محلي، حتى يستطيع الباحث أن يكوّن فكرة متكاملة عن الوحدة كما تعمل في المجتمع.
2 – الدراسات المقارنة:
وهي بمثابة دراسات علمية لا تحاول الكشف فقط عن ماهية الظاهرة ولكن أيضاً عن كيفية حدوث هذه الظاهرة وذلك عن طريق مقارنة أوجه التشابه والاختلاف بين الظاهرات بغية الكشف عن العوامل التي تلعب دوراً فيها.
3 – الدراسات الارتباطية:
تستخدم لتحديد المدى الذي ترتبط فيه المتغيرات، أو بعبارة أخرى إلى أي حد تتفق المتغيرات في أحد العوامل مع المتغيرات في عوامل آخرى.
ج – الدراسات التطورية:
وهي لا تكتفي بدراسة الوضع القائم للظواهر والعلاقات المتبادلة بينها فحسب، بل تتناول أيضاً المتغيرات التي تحدث نتيجة المرور الزمني ومن أهم أنواع الدراسات التطورية الوصفية دراسات للنمو الإنساني التي تجرى بإحدى طريقتين:
1 – الطريقة الطولية: وهي الأكثر قبولاً والأفضل من وجهة النظر العلمية وهنا يتبع الباحث مدى نمو نفسي للأفراد أو الجماعات في أعمار مختلفة أو تواريخ مختلفة، ويعيب هذه الطريقة أنها تستلزم وقتاً طويلاً وتفرغاً وجهداً ونفقات، ومن مميزاتها أنها تمكن من دراسة متغيرات أكثر وتتميز نتائجها بالدقة.
2 – الطريقة المستعرضة:
وهي الطريقة الأسهل والأكثر انتشاراً، لأنها أقل نفقات وتستلزم وقتاً أقل، كما تسمح بدراسة عينة أكبر من عينة الطريقة الطولية.
ثانياً: المنهج الاستبطاني (التأمل الباطني):
وهو يعني التأمل في محتويات الشعور، أي هو ملاحظة الفرد لما يجري في شعوره من خبرات حسية أو عقلية أو انفعالية بهدف وصف هذه الحالات وتحليلها أو تأويلها.
ويستخدم هذا المنهج لعدة أمور:
1 – يعتبر هو الوسيلة الوحيدة لدراسة بعض الظواهر والأحوال النفسية، مثل أحلام النوم واليقظة.
2 – يقوم بدور كبير في المنهج التجريبي عند سؤال المفحوص أن يصف ما يراه وما يسمعه أو يشعر به أو ما يتذكره.
3 – يعتبر هو الأساس عند الاستجابة على الاستفتاءات أو الاختبارات التي تقيس الشخصية.
4 – يعتبر الاستبطان هو الأساس في العلاج النفسي الحديث.
ولكن هناك عيوب لاستخدام هذا المنهج تتمثل فيما يلي:
1 – إن الاستبطان يقوم به شخص واحد، ولا يمكن أن يكون ما يرويه المفحوص خاضعاً للبحث العلمي لأنه لا يمكن التحقق من صحته من خلال الآخرين.
2 – إن عملية الاستبطان تتم لمواضيع مرت بحياة الفرد الماضية وقد لا يكون ما يرويه الفرد بنفس صدق حدوثها لمرور وقت عليها.
ثالثاً: المنهج الإحصائي:
يستخدم الباحث في علم النفس عدد من الأساليب الإحصائية التي تساعده في التوصل إلى النتائج، ومن أهم هذه الأساليب:
1 – مقاييس النزعة المركزية: مثل المتوسط، والوسيط والمنوال.
2 – مقاييس التشتت: مثل الإرباعيات والإعشاريات والميئنيات والانحراف المعياري والمدى.
3 – مقاييس العلاقة ومن أهمها معامل الارتباط.
4 – مقاييس الفروق ومنها اختبار (ت) لدلالة فروق المتوسطات.
5 – تحليل التباين.
6 – التحليل العاملي.
رابعاً: المنهج الإكلينيكي:
هو الخطوات المتبعة للدراسة المركزة على حالة فردية بعينها أي دراسة عميقة للشخصية في بيئاتها وأحوالها العديدة بطرق كثيرة وتمتد الدراسة أيضاً إلى الجماعات الصغيرة.
ومن حيث الأدوات، فإنه يستخدم أدوات خاصة به، مثل المقابلة والملاحظة ودراسة الحالة، ومن حيث الأهداف فهو يستخدم لتحقيق أهداف نظرية وعملية فهو يشخص ويعالج ويضع مبادئ وأسس نظرية.
مسلمات المنهج الإكلينيكي:
هناك ثلاث مسلمات:
1 – التصور الدينامي للشخصية
2 – النظر إلى الشخصية كوحدة كلية حالية
3 – الشخصية وحدة كلية زمنية
معايير المنهج الإكلينيكي:
من أهم معاييره مبدأ التكامل ومبدأ إلتقاء الوقائع.
وسائل المنهج الإكلينيكي:
1 – المقابلة التشخيصية 2 – دراسة الحالة 3 – الملاحظة 4 – الاختبارات السيكولوجية
خامساً: المنهج التجريبي:
هو تغيير متعمد ومضبوط للشروط المحددة لحدث ما وملاحظة التغيرات الناتجة في الحدث ذاته وتفسيرها.
وهناك خطوات للقيام بالدراسة التجريبية كما يلي:
1 – التعرف على المشكلة وتحديدها
2 – صياغة الفروض
3 – تعريف المصطلحات
4 – وضع تصميم تجريبي: ويتضمن جميع النتائج وشروطها وعلاقاتها.
5 – إجراء التجربة
6 – التوصل إلى النتائج
وقد أدى استخدام هذا المنهج في علم النفس إلى جعله من بين مصاف العلوم التجريبية حيث يمتاز بعدة خصائص هي:
1 – الضبط: وهو التحكم في كل العوامل المتغيرة المتداخلة في تلك الظاهرة المراد بحثها ودراستها، تحكماً يستطيع معه المجرب معرفة جميع هذه العوامل وتثبيتها.
2 – العزل: وهو عبارة عن استخلاص العوامل المتغيرة التي يراد دراستها من بين مجموعة العوامل المحيطة بالظاهرة.
3 – القياس: وهو التعبير الكمي عن المتغيرات بغرض تفسيرها ومعرفة تأثيرها في الظاهرة موضع القياس.
تقويم المنهج التجريبي:
يعتبر من أكثر الوسائل كفاية في الوصول إلى معرفة موثوق بها وترجع كفاية هذا المنهج لأسباب أهمها:
1 – يسمح بتكرار التجربة.
2 – يسمح للباحث أن يغير عن قصد وعلى نحو منظم متغيراً معيناً.
3 – يتيح الوصول إلى نتائج تتميز بالموضوعية وإمكانية التعميم.
إلا أن هناك عدد من المحاذير وهي:
1 – كثرة عدد المتغيرات التي تحكم الظاهرة النفسية إلى حد يصعب معه تحديد عددها.
2 – صعوبة الضبط التجريبي للمتغيرات التي تتحكم في الظاهرة النفسية داخل المعامل.
3 – هناك بعض الظواهر النفسية لا يمكن بحثها داخل المعمل كالحب والجريمة.

إرسال تعليق

 
Top