فؤاد مدكري*

لقد وصل المغرب إلى مرحلة أضحى فيها الربط بين النظام التعليمي - التكويني وسياسة التشغيل العمومية أمرا حاسما و ملحا، من أجل تحقيق تنمية اقتصادية وطنية,من خلال إيجاد حد أدنى من التوافق والتفاعل بين النظامين, على أساس أنهما معا مكونين أساسيين في النسق المجتمعي العام, الذي يجب أن تتميز مكوناته بنوع من الانسجام والتكامل.
ففي بداية الاستقلال حُدثت مخرجات و غايات نظام التعليم الجامعي في البحث و التكوين العلمي, لكن سرعان ما تم التراجع عن تلك الغايات لصالح تكوين الأطر, وهكذا ظهر أنداك أن التكوين في الجامعة المغربية يحقق الغايات التي خلق من أجلها و لا يعرف أي أزمة في الفترة التي كانت تتميز فيها المرافق و المؤسسات العمومية بنقص على مستوى الأطر و الموظفين حيت كانت الجامعة المغربية تغدي هذا الخصاص.
لكن سرعان ما برزت أزمة التكوين في الجامعات المغربية و طرح سؤال كبير ""أي علاقة بين نظام التكوين بالجامعة و بين حاجيات سوق الشغل؟؟"" في الفترة التي بدأت الإدارة المغربية تعرف تضخما في مجال التوظيف و بدأت الدولة تقلص من حجم التوظيف العمومي خاصة بعد نظام التقويم الهيكلي.
ليتضح بالملموس أن الجامعة المغربية ظلت منذ الاستقلال إلى حدود الثمانينات تقوم بدور تكوين الأطر اكتر مما كانت تقوم بدور التكوين و التأطير في مجال البحث العلمي و الذي سيضمن للخرجين مهارات و قدرات تمكنهم من التعامل مع فرص الشغل الجديدة و المتطورة. 
لقد أصبحت الخطابات المرتبطة بأزمة بطالة حاملي الشواهد العليا, تركز كثيرا على ما أصبح يدعى بعدم التلاؤم بين نظامي التربية والتعليم من جهة, وبين النظام الإنتاجي ونظام التشغيل من جهة ثانية. لكن في الواقع هناك تحدي أخر و أعمق تعاني منه حتى الدول المتطورة علميا و صناعيا ، فما بالك بدولة نامية مثل المغرب ، و المتمثل أساسا في التطور السريع الذي تعرفه جل المهن, نتيجة التطور المذهل الذي يعرفه مجال التكنولوجيا الدقيقة فمثلا: ففي الفترة التي يكون فيها الطالب يتكون على تقنية أو مهارة معينة في مدة تكوينية محددة، لا تقل عن سنة كزمن تكويني اساسي كحد أدنى، تخضع تلك التقنية لتطورات عديدة لا يتسنى للطالب التكون فيها أو متابعتها، و بالتالي عندما يتخرج تكون فرص الشغل المتاحة قد تجاوزت مهاراته التكوينية. 
لدى فإن تسريع التقدم التكنولوجي وتحرير المبادلات التجارية وعولمة الأسواق من أهم العوامل الجديدة المؤثرة على مستويات التشغيل ببلادنا و التي تزيد من تعميق الهوة الموجودة أصلا بين النظامين التكويني- التعليمي و التشغيل.
إن انفتاح مؤسسات التعليم العالي بجميع أصنافها على محيطها الاقتصادي و الاجتماعي يجب أن يتم في إطار شمولي مبني على دراسة حاجيات سوق الشغل سواء العام أو الخاص و معرفة الإمكانيات المتاحة على مستوى التوجيه و التكوين و الموارد البشرية و التمويل و التي من شأنها أن تحقق نوعا من التكامل و الإنسجام بين مخرجات النظام التعليمي- التكويني و بين حاجيات الشغل المتجددة و المتنوعة.
و في المقابل فإن انفتاح المؤسسة على محيطها من شأنه كذلك المساهمة في تطوير برامج الجامعة ومجالات اهتمام البحت العلمي بها انطلاقا من حاجيات المحيط ومتطلباته, وبتنمية أدائها وتحسين مردوديتها بالرفع من جودة التكوينات وجعلها ملائمة مع الأوراش الكبرى التي فتحها المغرب
كما يمكن أن يساهم بشكل مهم في تمويل الجامعة وتطوير أدوات وأساليب عملها و تحقيقها نوعا من الاستقلالية العلمية على الأقل.
لكن ذلك يجب أن يتم في إطار مؤسساتي مستمر, وليس بشكل انفرادي كما هو عليه الحال الآن يخض للمبادرات الفردية، و درجة الوعي و المواطنة لدى بعض الفاعلين هنا أو هناك.

* أستاذ التعليم العالي القانون و التشريع التربوي

إرسال تعليق

 
Top