إدريس مستعد

يرفع السيد وزير التربية والتكوين مشروعه التربوي الجديد إلى المجلس الأعلى للتعليم، تحت شعار " مدرسة جديدة من أجل مواطن الغد "، معتبرا أن " النموذج البيداغوجي الحالي " فاشل، و أن مشروعه الجديد سيركز على منحى تصاعدي تدريجي، ابتداء من السنوات الأربع الأولى لتحقيق ثلاثية " القراءة، الكتابة، الحساب"، و يدمج التعليم والتكوين المهني ضمن " مسار اكتشاف المهن" منذ الابتدائي استعدادا للبكلوريا المهنية : صناعة الطيران، السيارات و الفلاحة، كآفاق للمتدربين المهنيين وصولا إلى الإجازة المهنية.

و يعتبر أن النموذج المتبع في تدريس اللغة العربية فاشل، و يرى ضرورة تقوية اللغات الأجنبية في إطار المسالك الدولية للبكلوريا: الفرنسية، الانجليزية و الاسبانية.

و يطرح الحكامة ك" مسؤولية متقاسمة" لتدبير المؤسسات التعليمية و تحقيق اللامركزية الجهوية المتقدمة.

و من أهداف هذا المشروع التربوي الجديد تخليق المدرسة المغربية، و تعزيز الهوية و ترسيخ القيم و روح المواطنة و الاجتهاد و الانفتاح و الجودة و تثمين الرأسمال البشري، و يختم مشروعه بإدماج تكنولوجيا الإعلام و الاتصال في التعليم بتعويض"اللوحات الرقمية" للمحفظة.

حين يقول السيد الوزير " مشروع تربوي جديد" يعني ذلك أن هناك مشروعا قديما، فما حدود العلاقة بين القديم و الجديد ؟ هل هناك قطيعة تربوية بين المشاريع ؟ كل مشروع ينقض غزل الآخر ليصبح لدينا التفكير التربوي " أرخبيلات " أو " قطائع تربوية " دون استمرارية، و ما معنى الفشل في البيداغوجية أو في التربية أو في النموذج ؟ أليس الفشل نسبيا و مفهوما تجريبيا و مستوى اجتهاديا ؟ أليس من الأبجديات التربوية أن نعرف أسباب الفشل و نبني عليها في أي مشروع بديل؟ لماذا قدر وزرائنا أن يلعبوا دور " سيزيف " ؟

إن تشخيص الفشل لا يمكن أن يكون موقفا تبريريا، أو تهما متبادلة، أو اتجاها معاكسا للبحث عن الحل، أو اختزالا للمشكل في جانب معين كما جاء في بعض وصفات السيد بلمختار ( السبب الذي يجعل أبناءنا لا يدرسون: لأنهم يكرهون المدرسة، فالهدر المدرسي لا يعود إلى البنية المهترئة ولا إلى الأستاذ المقهور ولا إلى البرامج المتخلفة بل إلى التلاميذ الذين يرفضون الدراسة ).

المقاربة النسقية للمشروع التربوي: تتطلب النظر إلى مكوناته في تفاعلاتها الذاتية و الموضوعية، فالمشروع يرتبط بالمؤسسة التعليمية و بالفضاء المدرسي و المجال البيداغوجي و الديداكتيكي، و بالمحيط التربوي (أي مجموع الفاعلين المحيطين بالتلميذ الذين يشاركون في العملية التعلمية )، و يتسم بالدينامية و التكيف مع الحاجيات والوضعيات المختلفة، انطلاقا من الواقع العملي و وفق أهداف معينة واعية بسياق الإنجاز.

إن المشروع مفهوم وجودي يهدف إلى تحسين طرق العمل في المناهج التربوية، و نجاحه هو نجاح للمجتمع بأكمله، يتطلب الوسائل التعليمية المتطورة التي تساير العصر و تمكن الأسرة التعليمية من العمل و تحقيق رسالتها، كما يحتاج إلى منهج متكامل يلبي الاحتياجات.

و المنهج وحده لا يكفي بل يحتاج إلى رجل التعليم المؤمن برسالته الذي يحول المنهج إلى إنجاز فعلي، فيكون دوره أهم من الوسائل التكنولوجية، فالمدرس يعلم بطريقته و أسلوبه و شخصيته و علاقاته و قدوته، فالمدرس يتمنهج و يتنمذج بتجربته لا ب"الجاهز".

ولإنجاح المشروع لابد من جهاز إداري ( مدير قائد، وخبير تربوي... )، ولابد من تعاون الأسرة بقيمها الإنسانية و توفير الاستقرار و الصحة النفسية و التواصل و المتابعة الفاعلة.

ثم لابد من الإعلام الهادف، الحلقة المفقودة في بناء المشروع التربوي، الذي يوفر البعد المعرفي بأبعاده (المتعة و الفائدة و تأصيل فكر المجتمع و آدابه و قيمه، و المسلسلات الكارتونية دليل لهذه المعرفة ).

إن المشروع دينامية بين المؤسسة و الإدارة و رجل التعليم و الأسرة و الإعلام.

من أجل تفكير بيداغوجي :

تختلف دلالات البيداغوجية بين طرائق تقليدية أو حديثة وفق رؤيا لمشروع تربوي واضح، أو إشارة إلى أنواع التعليم و تنمية بعض القدرات كالطريقة الكلية أو طريقة المشروع أو طريقة التعليم المبرمج، و قد تشير إلى وسائل خاصة ترتبط بأهداف محددة كالوضعية المشكلة أو مشاكل مفتوحة... و الطريقة البيداغوجية حسب بعض التربويين هي مجموع المبادئ و الوسائل و الخطوات و قواعد الفعل التربوي لتحقيق الأغراض و الأهداف و الغايات التي نحددها.

و هي بنية ضمن نسق شامل يمثله النموذج التربوي الذي يشمل السياسة التعليمية و الممارسة اليومية، مرورا بالمناهج و بالتنظيم الإداري و التأطير التربوي و الموارد المادية و البشرية، كل ذلك في تفاعل مع البنية الثقافية و الاجتماعية.

إن البيداغوجية علم للتدريس كما يقول دوركهايم، و العلم و المعرفة بناء للذات و الإنسان و صنع لمستقبل الوطن و الإنسانية، فعلم البيداغوجية آلية تقويمية ننتقد من خلالها تاريخ علاقاتنا البيداغوجية ( الأهداف، الكفايات، الإدماج )، أي مطلوب أن يصبح لدينا تفكير بيداغوجي للتعامل مع البيداغوجيات، تفكير في التربية لا خطاب حولها، تفكير بيداغوجي لا "تفكير نماذجي"، فالنموذج لغويا هو مثال الشيء الذي يقلد و يستنسخ، و المقلد لا يهمه التفكير في النموذج و لا تفكيك بنيته، فيحتاج دائما إلى الوسيط صاحب النموذج، وهذا يفضي إلى تفكير" الوصفات البيداغوجية "، فعوض أن تعطيني بيداغوجية علمني كيف "أتبدغج"، و عوض أن تعطيني نموذجا علمني كيف " أتنمذج ".

إن مفهوم النموذج لا يخلخل الذات الفاعلة سواء مدرسا أو مكونا أو مفتشا، و هو مترجم، بشكل غير موفق، عن مفهوم "البراديغم " لتوماس كوهن الذي يركز على الرؤيا للعالم و الواقع و الحقيقة من زاوية معينة، و الرؤيا تعني الذات المنخرطة في الفعل و إنتاج المعرفة لا الموضوع المرئي. إن الذات الفاعلة في التربية و البيداغوجية قادرة على إبداع ممارستها، معنية بمصير التربية لا مطبقة للوصفات النموذجية.

هذه هوية الذات التي نريد ل" مغرب بيداغوجي " يكون فيه المدرس فاعلا، عارفا، معنيا، و المدير مربيا لا ناقلا للتعليمات و المفتش مهيئا مصاحبا لشروط الفاعلية، و التلميذ مستوعبا مجتهدا، و المدرسة محترفا متعدد الإيقاعات لا مقبرة للطاقات، و المجتمع حاضنا بإنسانيته و وطنيته .

إن التفكير البيداغوجي تفكير في النظام التربوي بأسسه و غاياته، فالأمر يتعلق ببناء وطن لا بعلاقة مدرس بتلميذ أو بمحتوى دراسي، أو بتنشيط و تقويم.

إن الاختيارات البيداغوجية هي رؤيا و تصور للمجتمع الذي نريد، بناء تراكمي و تعاقدات متجددة و مستمرة، تعاقدات حول العدالة و الإنصاف و تكافؤ الفرص و الاحترام و التعددية وفق الاختيارات الإستراتيجية الكبرى، و مراكمة لثقافة الحوار حول الأسس و الغايات في ضوء المستجدات المحلية و العالمية. نتساءل هنا لماذا تم المرور من ثقافة الميثاق الوطني للتربية و التكوين حيث الحوار الجماعي إلى "ثقافة التقارير" ثم " ثقافة المخططات الاستعجالية " الأحادية ؟ و لماذا نقض المجلس الأعلى رؤيا الميثاق الوطني ؟ و لماذا لم تكن محاسبة تقويمية قبل المرور إلى ما بعد الميثاق ؟ و لماذا صمتت الأحزاب و النقابات و الجمعيات و شيعت "جنازة التعليم" ؟ و لماذا تم التخلي عن "بيداغوجيا الإدماج" و ما البيداغوجيا البديل ؟ وهل يمكن لمسئول وزاري أن يختار نموذجا بيداغوجيا دون نقاش سياسي ؟

إن المشروع التربوي الجديد الذي ينادي به السيد الوزير لابد أن ينطلق من التراكم السابق ومن منطلقات التفكير في المواطنة بالمواطنة و استحضار التعددية الثقافية و الهوياتية و استبعاد المذهبية بالانفتاح على الإنسانية، و استحضار الإيقاعات المختلفة للمدرسة المغربية بخصوصياتها، بلغات تدريسها و مناهجها و برامجها و طرقها الديداكتية و"براديغماتها" البيداغوجية.

المصدر : صدى نيوز

إرسال تعليق

 
Top