التربية على الاختيار واتخاذ القرار في التوجيه

المختار شعالي
    يقال أن وزارة التربية الوطنية عازمة على تغيير المناهج الدراسية لربط التعليم بحاجات سوق الشغل وجعله قاطرة لخدمة الاقتصاد الوطني. ويقال أيضا أنه سيتم الاعتماد على التوجيه باعتباره قنطرة قد تقود إلى تحقيق هذه الغاية، وذلك باعتماد توجيه ‹‹لائق›› يسعى إلى تنمية وبلورة ميولات وقدرات التلاميذ وتوجيههم الوجهة التي تلائم هذه القدرات وتلائم في الوقت ذاته حاجات عالم الاقتصاد. وفي إطار إغناء النقاش الذي ربما يفتح حول الموضوع، يندرج هذا المقال بغية توضيح بعض المفاهيم المتعلقة بأدبيات التوجيه باعتبارها تفكيرا نظريا يساهم في تأطير الممارسة في الميدان، انطلاقا من القناعة التي ترى أن الممارسة الجيدة تنبثق عن الرؤية الجيدة. ونظرا لأن التربية على الاختيار وكيفية اتخاذ القرار تشكل صلب اهتمام التوجيه، سنحاول إذن تسليط الضوء على هذا الجانب والرعاية التربوية التي تقتضيه. ما هي إذن التربية على الاختيار؟
التربية على الاختيار
    ينبثق الاختيار واتخاذ القرار في التوجيه عن سيرورة بحث دينامية بنائية تتشكل من مراحل تتميز بمهام إنمائية تعرف في أدبيات التوجيه بالاكتشاف ثم بلورة اختيارات، تليها مرحلة تحديد اختيار معين وفي الأخير مرحلة إنجاز هذا الاختيار. تتعلق المرحلة الأولى باكتشاف الذات والمحيط واكتشاف طرق البحث وإجراءات واستراتيجيات التوجيه. ويسعى هذا الاكتشاف بالخصوص إلى توسيع الرؤية والآفاق، وذلك بالانفتاح على الممكن الذي يوفره المحيط والإمكانيات الذاتية، ويتحقق ذلك عبر البحث والتجريب ولعب الأدوار أوالتخيل أحيانا ومن خلال المحاولة والخطأ. تقتضي مهمة الاكتشاف إذن التفكير الإبداعي والنظر إلى الأمور والأشياء بمنظور متجدد يمكن من العثور على المعلومة الجديدة لتوسيع دائرة المعطيات، حيث ينصب الاهتمام أكثر حول وفرة المعلومات دون اعتبار مدى انسجامها أو مدى تطابقها مع أفضليات المتعلم لأن هذا الأمر موكول إلى مهام المراحل الموالية.
    وتهتم مرحلة البلورة بتنظيم هذه المعلومات وترتيبها حسب أولويات انطلاقا من اعتبارات ذاتية وموضوعية. وتروم هذه المهمة تجاوز الارتباك والتردد والخلط وتشتت المعطيات التي تنتج عن مرحلة الاكتشاف، والتوجه نحو الوضوح وبلورة اختيارات مستنيرة. وتتطلب هذه المهمة الفهم والتفكير التصنيفي المقارن وتستلزم المعلومة المفسرة والموضحة التي تمكن من تجديد الفهم. لم يعد التوجيه يعني، في هذه المرحلة، الاهتمام بكل شيء كما هو في السابق بل تركيز الاهتمام على مجالات بعينها، مثل الاهتمام بالمجال الفني أو المجال الاجتماعي أو المجال التكنولوجي أو المجال العلمي أو المجال الأدبي إلخ. وتأتي بعد ذلك مرحلة التحديد التي تقتضي الاستقرار على اختيار معين، وتتطلب هذه المهمة استعدادا خاصا وتحليلا مبنيا على التوثيق وعلى أحكام نقدية واعتبارات استراتيجية وعلى الواقعية وعلى الاستشارة والتقييم التكويني المفضي إلى التقدم في تحديد الاختيار. وتتوج هذه المهمة بتحديد الاختيار واتخاذ القرار، الذي يقتضي التفكير التقييمي الذي يمكن من الحصول على المعلومة الفاصلة والمقنعة لتأكيد هذا الاختيار أو ذاك. وفي الأخير وجب إنجاز الاختيار على أرض الواقع، ويتطلب هذا الإجراء إعداد مشروع شخصي مبني على تخطيط محكم وملائم يمكن من الانخراط في الفعل. وتهدف مهمة الإنجاز إلى ترجمة الاختيار إلى فعل وتصريفه في سلوك ملموس، لذا يتطلب تفكيرا انخراطيا ومعلومة عملية ومفيدة لتحقيق الهدف المنشود المتمثل في إنجاز الاختيار.
    تعتبر التربية على الاختيار واتخاذ القرار مهمة تربوية تضطلع بها المدرسة، حيث توزع مراحل سيرورة الاختيار على سنوات التمدرس. تبتدئ مرحلة الاكتشاف مبكرا منذ الابتدائي وتهتم في البداية بإيقاظ الوعي لدى المتعلم(ة) لينتبه إلى ذاته ومحيطه وتستمر هذه العملية في التطور إلى حدود السنة الأولى ثانوي. وتبتدئ مرحلة البلورة في السنة الثانية ثانوي ومرحلة التحديد في السنة الثالثة ثانوي وتنتهي في الجذع المشترك. ثم تبتدئ مرحلة الانجاز بعد ذلك. غير أنه ينبغي التأكيد على أن سيرورة التوجيه ليست خطية تتخذ اتجاها واحدا دون رجعة، بل هي بناء وتفاعل يسمح بالعودة إلى إعادة اكتشاف معطيات جديدة أو إعادة بلورة اختيارات جديدة في كل مرحلة وحيثما تم الاصطدام بواقع جديد أو غموض أو ظهور اهتمامات جديدة.
     وتعتبر عملية الاكتشاف الإجراء الذي يتردد أكثر في كل المراحل، كونها المحرك الأساسي لدينامية المهام الإنمائية الموالية والقاعدة الصلبة التي تقوم عليها. لذا ينبغي أن تنال رعاية تربوية مبكرة كونها تتطلب تعبئة العديد من الكفايات وتقتضي التجريب والتمرن والاختبار عبر احتكاك الذات بأوساط متعددة، بغاية مساعدة المتعلم(ة) على التنظيم المبني والدينامي لنظرته للعالم ولهويته ولقدراته على الفعل تحت تأطير هذه المرجعية المنهجية في التوجيه التي تضيء سيرورة ومسار الاختيار واتخاذ القرار في التوجيه وفي الحياة. لهذا سنسلط الضوء أكثر على التعريف بمهمة الاكتشاف وكيفية إنجازها وتحديد أهدافها ومجالات اهتمامها.
ما معنى الاكتشاف؟
    ليس الاكتشاف مجرد نشاط موجه يتعلق بالبحث عن مهن انطلاقا من معرفة بالمواصفات الشخصية، كما أنها ليست تجميع معلومات فقط بل هو حياة وتجربة يجب أن تعاش، حيث يتم اكتشاف الذات والمهن عبر التعلق والتقمص والتماثل بمهنيين في المحيط، إذ يقلد الشخص آباءه أو أحد أقربائه المفضلين أو أبطال يثيرون إعجابه، إذ يتعرف عبرهم على عالم الشغل واكتشاف ما ينبغي القيام به ليصبح راشدا. يعتبر الاكتشاف إذن إيقاظ الوعي بالذات وبالقدرة على تخيل أشياء غير معتادة وإمكانية العيش بشكل مختلف، والتفكير في الممكن والتطلع إلى اكتشاف المجهول.
   الاكتشاف هو إذن في البداية حالة إيقاظ تتغذى غالبا من قلق ينتاب الشخص، ناتج عن صعوبة في تقدير الذات وصعوبة في التعرف على ما هو قادر عليه، وناتج عن الخوف من أن لا يستطيع أن يبدو كما يحس. ويقود هذا الإيقاظ إلى تنشيط الإرادة الأولى لتجريب سياقات جديدة وفضاءات غير معتادة وعوالم وثقافات لا يملك عنها إلا معارف أولية. وتتطلب عملية الاكتشاف والإيقاظ قدرات فردية مساعدة، وقد بين بياجي كيف يمد التفكير الصوري الشاب بقدرات إضافية تتعلق الأولى بالنمو الذاتي l’auto développement وتتعلق الثانية بالخروج من حالة التمركز حول الذات décentration.
   فيما يتعلق بالنمو الذاتي يستطيع الشاب التأمل في أفكاره وفي طريقة تفكيره، وفي فعالية الطرق التي يتبعها لتحسين سلوكه، حيث أنه أصبح قادرا على التفكير بشكل مجرد في وضعيات افتراضية، وأصبح قادرا على الفعل رمزيا وذلك بتصور أفعال وبناء تمثلات. يمد  التفكير الصوري  إذن الفرد بقدرات جديدة تتمثل في أخذ مسافة من الواقع والاستعداد لتصوره بشكل مجرد، والتأمل والتفكير فيه ليس فقط كما هو كائن ولكن كما سيكون. وهكذا يكتشف المتعلم(ة) فكرة المستقبل ويتولد لديه معنى للمشروع، حيث تتولد لديه الرغبة في تجريب ذاته واختبارها عبر الفعل وعبر مشروع في الواقع أو في الخيال من خلال سياقات متعددة.
   أما ما يتعلق  بالوعي بحالة التمركز حول الذات، يمكن التفكير الصوري الشاب المراهق من الشروع في مقارنة ذاته بالآخرين وملاحظة الاختلاف القائم بينه وبين الآخر. إذ أن أخذ مسافة عن الذات تقود إلى التطلع إلى معرفة وجهة نظر الآخر ورؤيته للأمور، بل التطلع إلى معرفة الذات من خلال الآخر عبر تقاسم الأفكار والأحاسيس والقيم، وذلك من خلال التواصل والتقدير المتبادل والعمل الجماعي والتفاوض وفك النزاعات. هكذا يدرك المتعلم الاختلاف القائم بين الأفراد الذي تقوم عليه عملية الانتقاء والمنافسة والتفاضل سواء في المدرسة أو في اللعب أو في الحياة المهنية.
     يندرج ضمن اكتشاف الذات اكتشاف الميول والاهتمامات ذات الأبعاد المهنية وقيم الشغل. لذا بات لزاما أن تهتم المدرسة بتنمية هذا الجانب من خلال السياقات الاستكشافية التي توفرها، حيث أن كل حديث عن المهن وعن أوساط الشغل الذي يثار أثناء التعلم يحدث إسقاطا للذات ويوقظ مشروعا ذاتيا يترجم بعد ذلك إلى وضعيات متخيلة يستطيع من خلالها أن يرى ذاته ويدركها ويختبرها من خلال هذه الوضعيات ليبلور ويتصور بوادر حياة شخصية ومهنية ممكنة لكنها ما زالت مجهولة المعالم.
موضوع الاكتشاف وأهدافه
    يتعلق موضوع الاكتشاف أساسا بمعرفة الذات وعالم التكوين وعالم الشغل واستراتيجيات وإجراءات التوجيه.
     معرفة الذات: يحيل التفكير في معرفة الذات مباشرة إلى الثلاثية ‹‹الاهتمامات ـ المؤهلات ـ الشخصية››، حيث تشكل هذه الأبعاد جانبية الشخصية، التي تقود بدورها إلى البحث عن المهن والوظائف التي تلائمها أكثر. ويشكل هذا التسلسل المحور الأساسي لمختلف التدخلات التربوية لمساعدة الشباب على التوجيه.
   إن سيرورة معرفة الذات تشكل مجالا للاكتشاف يقودها المتعلم نفسه، أي أن يحتل المتعلم  بالضرورة موقع الفاعل الرئيسي، إذ دون تحمله عبء هذه المسؤولية تغدو عملية الاكتشاف غير ممكنة وخاصة فارغة من الدلالة. ويتعلق هذا الاكتشاف بتحديد القدرات الذاتية عبر اختيار تجارب مدرسية أو عبر أعمال موازية تحفزها فكرة اختبار الذات للوقوف على جوانب قوتها وحدودها. وتحفزها فكرة الاقتراب مما نحب القيام به وتجسيد ما نحس به، وتحفزها أيضا فكرة اكتشاف طرق اتخاذ القرار عبر الاختيارات اليومية التي يقوم بها المتعلم والتي تبلور ميوله وقيمه واهتماماته.
   ومن جانب آخر لا يمكن أن يتشكل الميل المهني من فراغ، أي لا يمكن أن نميل و نحب أشياء لا نعرفها. هذا يحتم أن تمكن المدرسة المتعلم(ة) من فرص اكتشاف الفضاءات المهنية وتجعله يعيش تجارب استكشافية ويحتك بفضاءات مهنية متعددة تجعله ينمي ميله المهني، لأن نمو الميل المهني يتحقق عبر التقمص والتماثل والاحتكاك بحياة مهنية سواء في الواقع أو عبر مواد دراسية أو عبر برامج معدة لهذا الغرض. وهكذا يتولد الحلم المهني من خلال الآثار السيكولوجية التي ينشئها عبر انجذابه وتعلقه بهذه المهنة أو تلك. ومن تم تتولد لديه حاجة إلى التعرف عليها أكثر، والحاجة إلى اكتشاف طرق الولوج إليها والمجهود المطلوب لتحقيق هذا الحلم.
  غير أنه ينبغي إثارة الانتباه إلى بعض الانحرافات التي يمكن أن تنزلق إليها بعض الممارسات في التوجيه، منها أن عملية الاستكشاف يمكن أن تجرى تحت إكراه إجبارية اختيار مهنة أو شعبة دراسية، حيث يرتكز الاهتمام على البحث عن المهنة التي تلائم كل شخص في لحظة معينة أثناء عتبة التوجيه مثلا، وبالتالي ترتكز عملية الاستكشاف أكثر على التشخيص والتقييم. إن هذا التوجه، الذي يفرض مجموعة من الإجراءات والمهام المسطرة والإكراهات، يتناقض مع الحرية في الاختيار، حيث يفقد الاختيار متعة عيش التجربة ومتعة الاختبار الذاتي من خلال التجريب والمغامرة والتحدي.
    بناء على هذا الاعتبار ينبغي التأكيد على أن معرفة الذات في مرحلة الاستكشاف ليست وضع تشخيص، لكنها عملية إنماء تحدث عبر الفعل. ويقتضي ذلك البدء من البداية أي الانتقال التدريجي من الطموح إلى الاهتمام، ومن الإمكانيات إلى المؤهلات، ومن التعلم إلى الكفايات. وينجز هذا الإنماء من خلال تفاعل الذات بالواقع عبر سياقات ملائمة تسمح بالاحتكاك والتحدي والفعل. لا يمكن أن يتعرف الفرد على ذاته دون أن يعيش تجارب في الواقع أو على الأقل في الخيال وعبر لعب أدوار. وعلى هذا الأساس فإن المتعلم مدعو إلى إيجاد أنشطة مدرسية أو موازية التي تتماشى مع طموحاته وانطلاقا من أهداف شخصية تساعده على تعميق معرفته بذاته. والمدرسة مدعوة من جانبها إلى خلق وضعيات تسمح بهذه الأنشطة وتعطي الفرص والوقت للمعاينة والتجريب لإبراز كل الإمكانيات والمخزون الهائل الذي تنطوي عليه الذات، كون معرفة الذات لا تتحقق إلا من خلال الفعل في سياقات موجهة أي قابلة بأن تبلور مؤشرات للتوجيه.
     معرفة عالم الشغل: تقوم الاختيارات في التوجيه بالضرورة على محاولة الربط والتوفيق بين الذات والفضاءات المهنية، باعتبار أن عالم الشغل يشمل، إضافة إلى المهن، فضاءات وسياقات يتبلور داخلها قيم وأنماط وأساليب للعيش التي يفرضها الشغل. لذلك يقتضي اكتشاف عالم الشغل الحديث عن هذه الفضاءات وقيم الشغل عبر نصوص دراسية أو زيارات ميدانية أو أنشطة موازية، وخصوصا عبر الانفتاح على عالم الشغل من خلال ربط علاقة وطيدة بين المقاولة والمدرسة، وفك ذلك الطلاق القائم اليوم بين مؤسستين رئيستين لهما تأثير كبير على حياة الفرد ومصيره، كونهما يشكلان فضاءات للتعبير والإبداع، ويوفران فرصا لتحقيق الذات عبر متعة الانتماء والإنجاز والتحدي والنجاح، كما يمكن أن يشكلا  فضاء لكبح الذات وقمع التعبير ومشتل للفشل.
   عندما تقوم المدرسة والمدرس بمساعدة المتعلم على اكتشاف محيطه الدراسي وعالم الشغل، لا يعني ذلك أن يتحول المدرس إلى أستاذ للإعلام أو له إحاطة كاملة بعالم الشغل، كما لا تعني أن يتعرف المتعلم بشكل تام على كل المهن ومجالات التكوين التي تؤدي إليها. بل إن الهدف من ذلك أن يتدرب المتعلم على البحث والاكتشاف، ويتملك كفايات مساعدة على ذلك، مثل امتلاك منهجيات الاشتغال فعالة، والتدرب على حل المشكلات التي تواجهه، والتعرف على مصادر الإعلام وطرق البحث، واستثمار الإعلام واستثمار تكنولوجيات الإعلام والاتصال، والتدرب على القيام بمقابلات مع أشخاص مصادر والمشاركة في الأبواب المفتوحة، والتدرب على إيصال إلى الآخرين المعلومة التي تم الحصول عليها على إثر أنشطة الاكتشاف.
   ويقتضي تحقيق هذه الأهداف اتخاذ الإجراءات التالية: أولها الاهتمام المبكر بتنمية هذه الكفايات أي منذ السنوات الأخيرة من التعليم الابتدائي، وثانيهما البدء من السهل الذي يوضح المبادئ والطرق والمناهج والسلوك ويسهل استيعابها. ينبغي مثلا أن تبتدئ عملية الاكتشاف من المحيط المباشر للمتعلم(ة)، حيث يكتشف بداية القانون الداخلي لمدرسته والخدمات التي يقدمها كل الإداريين والمهن أو الوظائف التي يزاولها كل المشتغلين بالمؤسسة ونوع الشهادات المحصل عليها ومؤسسات التكوين التي تمنح هذه الشهادات إلخ. كما ينبغي تحسيس التلاميذ عند انتقالهم من الابتدائي إلى الثانوي بخصوصية النظام البيداغوجي المتبع وأنواع التعليم بعد نهاية هذا السلك (تعليم عام، تعليم تقني، تكوين مهني)، واكتشاف المؤسسات التي تدرس بها وتنظيم زيارات إليها. هذه بعض الانشغالات التي يمكن أن تشكل مجالا للاكتشاف لتلاميذ نهاية التعليم الابتدائي وبداية التعليم الثانوي.إن التدرب على اكتشاف المحيط المباشر السهل والمألوف يمكن المتعلم(ة) من امتلاك أدوات البحث لمواجهة العالم الأكثر تعقيدا.
     ويتمثل الإجراء الثالث في اعتماد مقاربة موجهة في التربية، التي تقوم على إدماج أهداف التعلم بأهداف التوجيه. ويقتضي ذلك أن يتم توضيح المادة الدراسية من خلال سياقات واقعية نابعة من عالم الشغل وعالم التكوين، حيث تمد المادة الدراسية المتعلم بالموارد المعرفية الأساسية وبالكفايات المساعدة على التعامل مع المحيط. في حين أن الحديث عن عالم الشغل وعالم التكوين وربطهما سيجعل المتعلم على سكة المستقبل ويوقظ لديه الوعي بعلاقتهما مما يشكل حافزا للتعلم والاهتمام والتفكير في المستقبل بالجدية التي يقتضيها.
     وخلاصة القول ينبغي التأكيد على أن الأسس السيكولوجية التي يقوم عليها الاختيار واتخاذ القرار في التوجيه تتمثل في تلك العلاقة التي تنشأ بين الذات والفضاءات المهنية، فبدون اعتبار هذه الأسس ستكون عملية التوجيه مجرد تعيين ليس له أي معنى ولا جدوى. لذلك ينبغي أن توفر المدرسة فضاء يسمح لهذه العلاقة أن تنشأ في ظروف تربوية داعمة ومسهلة بعيدا عن كل إكراه أو إغراء أو تشويه.

المراجع:
ـ المختار شعالي، "التوجيه التربوي: الأسس النظرية والمنهجية"، منشورات "صدى التضامن"، شتنبر 2012 .
 ـ Denis Pelletier ; L’Approche Orientante : la clé de la réussite scolaire et professionnelle ; Septembre éditeur ; 2004.

نشر هذا المقال بجريدة الأحداث المغربية بتاريخ 15 مارس 2013

إرسال تعليق

 
Top