البحث فى علم نفس النمو هو عمل علمى ينتمى الى فئة العلم التجريبى ( الامبريقى ) . والباحثون فى هذا النوع من المعرف يلتزمون بنظام قيمى يسمى الطريقة العلمية يوجة محاولاتهم للوصف ( الفهم ) والتفسير ( التعليل ) والتحكم ( التوجية والتطبيق ) وهى أهداف العلم التقليدية .
الطريقة العلمية فى البحث اذن هى لون من الاتجاة أو القيمة , وهذا الاتجاة العلمة أو القيمة العلمية يتطلب من الباحث الاقتناع والالتزام بمجموعة من القضايا هى : -
1- الملاحظة هى جوهر العلم التجريبى , وعلم النفس ينتمى بالطبع الى فئة هذة العلوم . والمقصود هنا الملاحظة المنظمة لا الملاحظة العارضة أو العابرة .
2- تتمثل أهمية الملاحظة فى العلم فى أنها تنتج أهم عناصرة وهى مادتة الخام أى المعطيات Data والمعلومات أو البيانات Information .
3- لا بد للمعطيات أو المعلومات أو البيانات التى يجمعها الباحث العلمى بالملاحظة أن تتسم بالموضوعية Objectivity . والموضوعية فى جوهرها هى اتفاق الملاحظين فى تسجيلاتهم لبياناتهم وتقديراتهم وأحكامهم اتفاقا مستقلا .
4- تتطلب الموضوعية أن يقوم بعمليات التسجيل والتقدير والحكم ( وهى المكونات الجوهرية للملاحظة العلمية ) أكثر من ملاحظ واحد , على أن يكونوا مستقلين بعضهم عن بعض , وهذا يتضمن قابلية البحث العلمى للاستعادة والتكرار Replicability .
5- المعطيات والمعلومات والبيانا التى يجمعها الباحثون بالملاحظة العلمية هى وحدها الشواهد والادلة التى تقرر صحة الفروض أو النظرية . وعلى الباحث ان يتخلى عن فرضة العلمى أو نظريتة اذا لم تتوافر ادلة وشواهد كافية على صحتها .
الملاحظة الطبيعية :


من طرق البحث التى يفضلها علماء النفس ما يسمى الملاحظة الطبيعية , أى ملاحظة الانسان فى محيطة الطبيعى اليومى المعتاد . ويعنى هذا بالنسبة للاطفال مثلا ملاحظتهم فى المنزل أو المدرسة أو الحديقة العامة أو فناء الملعب , ثم تسجيل ما يحدث , ويصنف رايت Wright,1960 طرق الملاحظة الطبيعية الى نوعين : أحدهما يسمية الملاحظة المفتوحة وهى التى يجريها الباحث دون ان يكون لدية فرض معين يسعى لاختبارة , وكل ما يهدف الية هو الحصول على فهم أفضل لمجموعة من الظواهر النفسية التى تستحق مزيدا من البحث اللاحق . أما النوع الثانى فيسمية رايت الملاحظة المقيدة وهى تلك التى يسعى فيها الباحث الى اختبار فرض معين , وبالتالى يقرر مقدما ماذا يلاحظ ومتى . 
طرق الملاحظة المفتوحة :


دراسة الفرد : وتشمل مجموعة من الطرق منها المقابلة الشخصية ودراسة الحالة وتسجيل اليوميات والطريقة الإكلينيكية . وفى هذة الطرق يسجل الباحث المعلومات عن كل فرد من الافراد موضوع الدراسة بهدف اعداد وصف مفصل لة دون أن تكون لدية خطة ثابتة تبين أى المعلومات لة أهمية أكثر من غيرة . وقد يلجأ الفاحص الى تسجيل هذة المعلومات فى يومياتة فى صورة " سجلات قصصية " , وقد يطلب من المفحوص أن يروى عن فترة معينة من حياتة فى موقف تفاعل مباشر بينة وبين الفاحص ( المقابلة الشخصية ) , وقد تمتد هذة الطريقة لتصبح سجلا للفرد أو الحالة يستخدم فية الباحث مصادر عديدة للمعلومات مثل ظروف المفحوص الاسرية , والوضع الاقتصادى والاجتماعى , ودرجة التعليم ونوع المهنة وسجلة الصحى وبعض التقارير الذاتية عن الاحداث الهامة فى حياة الفرد , وأدائة فى الاختبارات النفسية , وكثير من المعلومات التى تتطلبها دراسة الحالة تتطلب اجراء مقابلات شخصية مع الفرد , وعادة ما تتسم هذة المقابلات بانها غير مقننة أى تختلف الاسئلة التى تطرح فيها من فرد لآخر .
وتعد من قبيل دراسة الحالة وتسجيل اليوميات سير الاطفال التى كتبها الآباء من الفلاسفة والادباء والعلماء عن ابنائهم , والتراجم التى كتبت عن بعض العباقرة والمبدعين , والسير الذاتية التى كتبوها عن انفسهم , كما يعد من قبيل الطريقة الكلينيكية اسلوب الاستجواب الذى استخدمة جان بياجية وتلاميذة فى بحوثهم الشهيرة فى النمو , وعلى الرغم من ان هذة الطريقة , باعتبارها من نوع الملاحظة المفتوحة , فيها ثراء المعرفة وخصوبة المعلومات وحيوية الوصف الا ان فيها مجموعة من النقائص نذكر منه :
1- تعتبر هذة الطريقة من جانب الفاحص مصدرا ذاتيا وغير منظم للمعلومات , أما من جانب المفحوص فانى الى جانب الطابع الذاتى لتقاريرة قد تعوز المعلومات التى يسجلها الدقة اللازمة , وخاصة حين يكون علية استدعاء احداث هامة وقعت لة منذ سنوات طويلة .
2- المعلومات التى نحصل عليها بهذة الطريقة من فردين أو أكثر قد لا تكون قابلة للمقارنة مباشرة , وخاصة اذا كانت الاسئلة التى توجة الى كل منهما مختلفة . صحيح أنة فى بعض الطرق الكلينيكية قد تكون الاسئلة مقننة فى المراحل الاولى من المقابلة إلا ان اجابات المفحوصين على كل سؤال قد تحدد نوع الاسئلة التى تطرح على المفحوص الفرد فيما بعد , يصدق هذا على طريقة الاستجواب عند بياجية وعلى بعض المقابلات المقننة .
3- النتائج التى نستخلصها من خبرات افراد بذواتهم تمت دراستهم بهذة الطريقة قد تستعصى على التعميم , أى قد لا تصدق على معظم الناس .
4- التحيزات النظرية القبلية للباحث قد تؤثر فى الاسئلة التى يطرحها والتفسيرات التى يستخلصها .
الوصف على سبيل المثال : فى هذة الطريقة يحاول الباحث أن يسجل بإسهاب وتفصيل كل ما يحدث فى وقت معين على نحو يجعلة أقرب إلى آلة التسجيل . ولعل هذا ما دفع الباحثين الذين يستخدمون هذة الطريقة الى الاستعانة بالتكنولوجيا المتقدمة فى هذا الصدد . فباستخدام آلات التصوير وكاميرات الفيديو , وأجهزة التسجيل السمعى يمكن للباحث أن يصل الى التسجيل الدقيق الكامل لما يحدث , وهذة الطريقة فى الملاحظة المفتوحة اكثر دقة وموضوعية ونظاما من الطريقة السابقة , إلا أن المشكلة الجوهرية هنا هى أننا بطريقة وصف العينة نحصل على معلومات كثيرة للغاية اذا استمر التسجيل لفترة طويلة . مثلا لقد تطلب تسجيل كل ما يفعلة ويقولة طفل عمرة 8 سنوات فى يوم واحد أن يصدر فى كتاب ضخم مؤلف فى 435 صفحة . 
طرق الملاحظة المقيدة :


تعتمد هذة الطريقة على استراتيجية اختيار بعض جوانب السلوك فقط لتسجيلها , وبالطبع فان هذا التقييد يفقد الملاحظة خصوبة التفاصيل التى تتوافر بالطرق السابقة , الا ان ما تفقدة فى جانب الخصوبة تكسبة فى جانب الدقة والضبط , ولعل اعظم جوانب الكسب ان الباحث يستطيع ان يختبر بسهولة بعض فروضة العلمية باستخدام البيانات التى يحصل عليها بهذة الطريقة . وهو ما يعجز عنة تماما اذا استخدم الاوصاف القصصية التى يحصل عليها بالطرق الحرة السابقة . 
عينة السلوك : وفى هذة الطريقة يكون على الباحث ان يسجل انماطا معينة من السلوك فى كل مرة يصدر فيها عن المفحوص , كأن يسجل مرات الصراخ التى تصدر عن مجموعة من الاطفال سن ما قبل المدرسة . أو مرات العدوان بين اطفال المرحلة الابتدائية . وقد يسجل الباحث معلومات وصفية اضافية ايضا . ففى السلوك العدوانى قد يلاحظ الباحث ايضا عدد الاطفال المشاركين فى العدوان وجنس الطفل , ومن يبدأ العدوان , ومن يستمر فية الى النهاية , وما اذا كانت نهاية العدوانية تلقائية أم تتطلب تدخل الكبار , وهكذا , ويحتاج هذا الى وقت طويل بالطبع . وتزداد مشكلة الوقت حدة اذا كان على الباحث ان يلاحظ عدة مفحوصين فى وقت واحد , فمثلا اذا كان الباحث مهتما بالسلوك العدوانى الذى يصدر عن ستة اطفال خلال فترة لعب طولها 60 دقيقة فان علية ان يلاحظ كل طفل منهم بكل دقة لخمس فترات طول كل منها دقيقتان طوال الزمن المخصص للملاحظة . ويسجل كل ما يصدر عن الطفل مما يمكن ان ينتمى الى السلوك العدوانى . 
وقد يسهل علية الامر اذا لجأ الى التسجيل الشخصى المباشر , ان يستخدم نوعا من الحكم والتقدير للسلوكم الذى يلاحظة , وتفيدة فى هذا الصدد مقاييس التقدير التى تتضمن نوعا من الحكم على مقدار حدوث السلوك موضع البحث ومن ذلك ان يحكم على السلوك العدوانى للطفل بانة :
يحدث دائما – يحدث كثيرا – يحدث قليلا – نادرا ما يحدث – لا يحدث على الاطلاق . وعلية ان يحدد بدقة معنى ( دائما – كثيرا – قليلا – نادرا – لا يحدث ) حتى لا ينشأ غموض فى فهم معانيها , وخاصة اذا كان من الضرورى وجود ملاحظ آخر لنفس السلوك يسجل تقديراتة مستقلا تحقيقا لموضوعية الملاحظة .
عينة الوقت : فى هذة الطريقة يتركز اهتمام الباحث بمدى حدوث انماط معينة من السلوك فى فترات معينة يخصصها للملاحظة ويتم تحديد اوقاتها مقدما , والمنطق الرئيسى وراء هذة الطريقة ان الانسان يستمر فى اصدار نفس السلوك لفترات طويلة نسبيا من الزمن , وعلى هذا يمكننا الحصول على وصف صحيح لهذا السلوك وحكم صحيح علية اذا لاحظناة بشكل متقطع فى بعد الزمن . وتختلف الفترات الزمنية التى يختارها الباحثون لهذا الغرض ابتداء من ثوان قليلة لملاحظة بعض انواع السلوك , الى دقائق أو ساعات عديدة لبعض الانواع الاخرى , وفى جميع الاحوال يجب ان يكون المدى الزمنى للملاحظة واحدا تبعا لخطة معدة مقدما . وخلال هذة الفترات يسجل الباحث عدد مرات السلوك وموضه الاهتمام , ومن امثلة ذلك ان يختار الباحث حصة فى اول النهار وحصة في آخرة مرتين في الأسبوع على مدار العام الدراسي لبحث بعض جوانب سلوك تلميذ المدرسة الابتدائية واذا عدنا لمثال السلوك العدوانى قد يقرر الباحث ملاحظة سلوك العدوان عند الاطفال خلال الدقائق العشر الاولى من كل ساعة من اربع ساعات متصلة خلال مرحلة .
ومن مزايا هذة الطريقة انها تسمح بالمقارنة الباشرة بين المفحوصين مادام الوقت الذى تجرى فية الملاحظة والزمن الذى تستغرقة واحدا . 
وحدات السلوك : فى هذة الطريقة يلاحظ الباحث خلال فترة زمنية معينة وحدات معينة من السلوك وليس عينة سلوك أو عينة وقت . ومعنى ذلك ان تتم ملاحظة احدى جزئيات السلوك بدلا من ملاحظتة ككتلة مركبة غير متجانسة , وتبدأ وحدة السلوك فى الحدوث فى اى وقت يطرأ فية اى تغير على استجابات المفحوص وما قد يصاحبة من تغير فى بيئتة , فمثلا اذا لاحظنا ان الطفل وهو يلعب برمال الشاطىء تحول فجأة الى وضع كمية من الرمل فى شعر طفل آخر فاننا نسجل فى هذة الحالة حدوث ذلك , باعتبارة وحدة سلوك تختلف عما كان يحدث من قبل حين كان الطفلان يتبادلان الابتسام مثلا فأصبحا يتبادلان الهجوم , ويسجل الباحث ما طرأ على بيئة الطفلين من تغير فى هاتين الحالتين حين كان الطفل الاول يمسك فى المرة الاولى كرة يلعب بها وحدة . فجاء ابوة واخذها منة لبعطيها للطفل الثانى الذى كان يلح فى طلبها , وهكذا يكون على الباحث فى كل مرة ان يسجل حدوث وحدة السلوك على انها تغير فى استجابات الطفل وفى بيئتة , وحين تنتهى فترة الملاحظة يقوم الباحث بفحص وحدات السلوك التى تم تجميعها ثم تحليلها , ويتطلب ذلك بالطبع تصنيفها فى فئات . 
تعليق عام على طرق الملاحظة الطبيعية :


من مشكلات طرق الملاحظة الطبيعية ان الملاحظ قد يتجاوز حدود مهمتة ايضا اذا تدخل فى عملية التسجيل التى يقوم عليها الوصف الدقيق للظواهر وحولها الى مستوى التفسير , ولذلك فان كثيرا من تقارير الملاحظة لا يعتد بها اذا تضمنت الكثير من آراء الباحث وطرقة فى فهم الاحداث بدلا من ان يتضمن وصفا دقيقا للاحداث ذاتها , واحدى طرق زيادة الدقة فى هذا الصدد تحديد انواع الانشطة التى تعد امثلة للسلوك موضوع الملاحظة , وتكون هذة الانشطة تعريفا اجرائيا لهذا السلوك . 
وتتضمن المشكلة السابقة قضية الموضوعية فى الملاحظة , فاذا لم تكن ملاحظتنا الا محض تفسيرتنا وتأويلاتنا وفهمنا للاحداث فبالطبع لن يحدث بيننا الاتفاق المستقل فى الوصف , لأنها سمجت بأن تلعب جوانبنا الذاتية دورا فى ملاحظتنا . ومن الشروط التى يجب ان نتحقق منه فى طريق الملاحظة شرط الثبات , وهو هنا ثبات الملاحظين , ويتطلب ذلك ان يقوم بملاحظة نفس الافراد فى نفس السلوك موضع البحث اكثر من ملاحظ واحد على ان يكونوا مستقلين تماما بعضهم عن بعض , ثم تتم المقارنة بين الملاحظين , فاذا كان بينهم قدر من الاتفاق المستقل فيما يسجلون أمكننا الحكم على الملاحظة بالدقة والثبات , والا كانت نتائج الملاحظة موضع شك . وبالطبع فان هذا الثبات يزداد فى طرق الملاحظة المقيدة عنة فى طرق الملاحظة المفتوحة .
وتحتاج طرق الملاحظة الطبيعية الى التدريب على رؤية أو سماع ما يجب رؤيتة أو سماعة وتسجيلة . وتدلنا خبرة رجال القضاء ان شهادة شهود العيان فى كثير من الحالات تكون غير دقيقة , لأنهم بالطبع غير مدربين على الملاحظة . وما لم يتدرب الملاحظ تدريبا جيدا على الملاحظة فان تقاريرة لن تتجاوز حدود الوصف الذاتى المحض , وهى بهذا تكون عديمة الجدوى فى اغراض البحث العلمى , وفى كثير من مشروعات البحوث يتم تدريب الملاحظين قبل البدء فى الدراسة الميدانية حتى يصلوا فى دقة الملاحظة الى درجة الاتفاق شبة الكامل بينهم ( بنسبة اتفاق لا تقل عن 90 % ) .
ومن المشكلات الأخرى فى طرق الملاحظة الطبيعية ان محض وجود ملاحظ غير مألوف بين المفحوصين يؤثر فى سلوكهم ويؤدى الى أنتفاء التلقائية والطبيعية فى اللعب والعمل أو غير ذلك من المواقف موضع الملاحظة . وقد بذلت جهود كثير للتغلب على هذة المشكلة , ومن ذلك تزويد معامل علم النفس بالغرف التى تسمح حيطانها الزجاجية بالرؤية من جانب واحد ( هو فى العادة الجانب الذى يوجد فية الفاحص ) . وفى هذة الحالة يمكن لفاحص ان يكون خارج الموقف ويلاحظ سلوك الشخص وهو يتم بتلقائية , ومنها ايضا استخدام آلات التصوير بالفيديو أو السينما , وآلات التسجيل السمعى بشرط ان توضع فى اماكن خفية لا ينتبة اليها المفحوصين , أو توضع فى اماكن مرئية لهم على ان تظل فى مكانها لفترة طويلة نسبيا من الزمن قبل استخدامها حتى يتعود على وجودها المفحوصين . وقد يلجأ بعض الباحثين للتغلب على هذة المشكلة الى الاندماج مع المفحوصين فى محيطهم الطبيعى قبل الاجراء الفعلى بحيث يصبح وجودهم جزءا من البيئة الاجتماعية للبحث , وهذة الطريقة تسمى الملاحظة بالمشاركة .
وبالطبع كلما اجريت الملاحظة فى ظروف مقننة ومضبوطة زودتنا بمعلومات اكثر قابلية للتعميم , فمثلا عند دراسة نمو القدرة على القبض على الاشياء ومعالجتها قد يتطلب الامر ملاحظات دقيقة وتفصيلية للاطفال من مختلف الاعمار , كل منهم يقوم بمعالجة نفس الشىء فى موقف مقنن أو موحد . وحتى نوضح ذلك فقد نختبر اختبارا فرديا 40 طفلا كل عشرة منهم فى مجموعة عمرية معينة ولتكن 20 اسبوعا , 30 اسبوعا , 40 اسبوعا , 50 اسبوعا بينما هم جالسون جلسة معتدلة فى مقعد مرتفع , ثم نضع مكعبا على لوح خشيى امام كل طفل , وفى هذة الحالة يمكننا ان نلاحظ ونسجل بالتفصيل جهود الطفل للقبض على المكعب الخشبى ومعالجتة .
وبالطبع فان التصوير السينمائى لاستجابات الاطفال يعطى تسجيلا موضوعيا وكاملا ويمكننا ان نحللة بدقة ونعود الية اذا اختلفنا فى ملاحظة اساليب الطفل فى القبض على الاشياء ( مثلا استخدام الذراع أو الرسخ أو اليد أو الاصابع ) . وتعطينا المقارنة بين سجلات الاطفال من مختلف الاعمار اساسا لوصف اتجاهات النمو فى القدرة على معالحة الاشياء .
وأخيرا فان الملاحظة الطبيعية فيها كل خصائص التعقد والتركيب لمواقف الحياة الطبيعية التى تتحرر منها قدر الامكان المواقف المعملية . الا ان هذا ليس عيبا فى الطريقة وانما هو احد حدودها , فالواقع اننا فى حاجة الى البحوث التى تعتمد على وصف دراسة السلوك الانسانى فى سياقة الطبيعى والمعتاد والتى قد تقودنا الى بحوث آخرى تعتمد على طرق أخرى تستند فى جوهرها على منطق العلية , توجها الى التفسير والتنبؤ والتوجية والتحكم فى هذا السلوك . 
الطريقة التجريبية :


الطريقة التجريبية أساس التقدم العلمى فى مجالات المعرفة البشرية لأنها تنتهى الى الكشف عن اسباب الظواهر والعوامل المؤثرة فيها , ولذا تعد هذة الطريقة , الطريقة الرئيسية فى ابحاث العلوم الطبيعية , وتقترب العلوم الانسانية من دقة وموضوعية تلك العلوم بمقدار استخدامها لتلك الطريقة فى ابحاثها المختلفة .
وهى تحقق كل الاهداف الثلاثة الاساسية للبحث العلمى وهى : التنبؤ , والفهم , والتحكم . ولا تكاد ترقى اغلب الطرق الآخرى الى ما ترقى الية التجربة , لأن تلك الطرق غالبا ما تنتهى عند هدف الفهم ولا ترقى الى هدف التحكم .
المتغير المستقل والمتغير التابع :


المتغير المستقل : هو العامل الذى يظهر أو يختفى أو يتغير تبعا لظهور أو اختفاء أو تغير المتغير الذى يتحكم فية الباحث ويعالجة تجريبيا فيظهرة أو يخفية أو يزيدة أو ينقصة فى محاولتة لتحديد علاقتة بظاهرة تلاحظ , وغالبا ما يرمز لة بالرمز " م " أى المثير أو متغير الاستثارة .
المتغير التابع : ويرمز لة بالرمز " س " أى الاستجابة أو متغير الاستجابة والباحث لا يتحكم فيما يحدث للمتغير التابع , وما علية إلا أن يسجل ما يحدث لهذا المتغير نتيجة لتحكمة هو فى المتغير المستقل , وذلك لأن ما يحدث للمتغير التابع هو فى الحقيقة نتيجة لما حدث أو يحدث للمتغير المستقل .
الجماعة التجريبية والجماعة الضابطة : الجماعة التجريبية هى الجماعة التى يتعرض افرادها للمتغير المستقل , والجماعة الضابطة هى الجماعة التى يناظر افرادها افراد الجماعة التجريبية ولا يتعرضون للمتغير المستقل .
فاذا كان الهدف مثلا هو قياس أثر وجود الجماعة على انتاج الفرد فان الجماعة التجريبية فى هذة الحالة يمكن ان تكون من مجموعة من الافراد بحيث يعمل كل فرد من افرادها فى مواجهه جماعة من الناس وتصبح المتغيرات التابعة فى الجماعة التجريبية انتاج الافراد فى الاعمال التى يقومون بها .
وتتكون الجماعة الضابطة من مجموعة من الافراد , بحيث يناظر افرادها الجماعة التجريبية ويعمل كل فرد من افرادها بمعزل عن جماعة المواجهه التى يتعرض لها افراد الجماعة التجريبية . وبذلك لا يتعرض افراد مثل هذة الجماعة للمتغير المستقل . وتصبح المتغيرات التابعة ايضا هى انتاج افراد الجماعة الضابطة أو استجاباتهم .
التصميم التجريبى : يدل التصميم التجريبى فى معناة العام على خطة التجربة التى تشتمل على اختيار الافراد . وترتيب الاجراءات . ونوع المعالجة التجريبية . وطريقة تسجيل البيانات . زمع الاشارة الى الاسلوب الاحصائى الذى سيتبع فى تحليل النتائج .
القياس البعدى للجماعتين :


يقاس أثر المتغير المستقل بمقارنة متوسط استجابات الجماعة التجريبية بعد تعرضها للمتغير المستقل بمتوسط استجابات الجماعة الضابطة التى لم تتعرض للمتغير المستقل , وذلك باعتبار ان تلك الاستجابات هى المتغيرات التابعة , ثم يحسب فرق المتوسطين والدلالة الاحصائية لهذا الفرق , فاذا كان للفرق دلالة احصائية فان ذلك يدل على أثر المتغير المستقل , واذا لم يكن للفرق دلالة فان ذلك يدل على انعدام أثر المتغير المستقل .
الجماعة القياس القبلى المتغير المستقل القياس البعدى الفرق
التجريبية لا نعم نعم ( ص2 ) ص – ص2َ

الضابطة لا لا نعم ( ص 2َ ) 

يتضح من الجدول السابق ان الرمز ص2 يدل على نتيجة القياس البعدى للمتغير التابع فى الجماعة التجريبية , ويدل الرمز ص2َ على نتيجة القياس البعدى للمتغير التابع فى الجماعة الضابطة .
القياس القبلى – البعدى للجماعتين :
تقاس المتغيرات التابعة فى الجماعتين التجريبية والضابطة قبل بدء التجربة وبعد انتهائها , أى قبل تعرض الجماعة التجريبية للمتغير المستقل وبعد تعرضها ثم تقاس الفروق وتحسب الدلالة , والجدول التالى يوضح ذلك
الجماعة القياس القبلى المتغير المستقل القياس البعدى الفرق
التجريبية نعم ( ص1 ) نعم نعم ( ص2 ) ق=ص2-ص1
الضابطة نعم (ص1َ ) لا نعم ( ص2َ ) ق=ص2َ-ص1َ

ويدل الرمز ص1 على نتيجة القياس القبلى للمتغير التابع فى الجماعة التجريبية , ويدل الرمز ص1َ على نتيجة القياس القبلى للمتغير التابع فى الجماعة الضابطة , ويدل الرمز ص2 على نتيجة القياس البعدى للمتغير التابع فى الجماعة التجريبية , ويدل الرمز ص2َ على نتيجة القياس للجماعة الضابطة , ويدل الرمز ق على فرق القياس القبلى من القياس البعدى للمتغير التابع فى الجماعة التجريبية , ويدل الرمز قَ على فرق القياس القبلى من القياس البعدى للمتغير فى الجماعة الضابطة .
وعلى الباحث بعد ذلك أن يقارن ق , قَ أو يقارن ص2 , ص2َ ليستدل على أثر المتغير المستقل على المتغير التابع .
القياس القبلى – البعدى لجماعة واحدة :


ومن القياس القبلى – البعدى ما يصبح على جماعة واحدة فقط هى الجماعة التجريبية , ويحل كل فرد محل الجماعة الضابطة , أى ان الفرد يصبح هو نفسة جماعتة الضابطة فتقاس استجابتة فى المتغير التابع قبل تعرضة للمتغير المستقل ثم تقاس استجابتة بعد ذلك فى المتغير التابع بعد تعرضة للمتغير المستقل , ويحسب الفرق بين الاستجابتين على انة اثر المتغير المستقل . 
الجماعة القياس القبلى المتغير المستقل القياس البعدى الفرق
الجماعة التجريبية نعم ( ص1 ) نعم نعم (ص2 ) ق=ص2-ص1

وعلى الرغم من ان المنهج التجريبى هو اقوى المناهج فى اختبار العلاقات السببية والتى تقود الى تفسيرات مقنعة فان فية بعض المشكلات التى نلخصها فيما يلى :
1- مجرد وجود المفحوص ضمن اجراء تجريبى قد يؤثر فى سلوكة ويجعلة يفتقد التلقائية والطبيعية التى تميز طرق الملاحظة المباشرة واذا حدث ذلك فان نتائج التجربة لن تصدق على احداث الحياة الواقعية .
2- البيئة ( المعملية ) المضبوطة المقننة التى عادة ما تجرى فيها البحوث التجريبية هى ايضا بيئة اصطناعية للغاية ومن المتوقع للمفحوصين ان يسلكوا على نحو مختلف فى مواقف الحياة الفعلية , ولهذا يجب ألا تنتقل نتائج بحوث المعمل الى الميدان انتقالا مباشرا , وانما على الباحث ان يمر بخطوات عديدة فى سبيل ذلك . واحدى طرق التغلب على هذة المشكلة تصميم تجارب تبدو طبيعية للمفحوصين ويمكن جعل الموقف التجريبى اكثر طبيعية للاطفال مثلا بان تجرى التجربة فى موقف معتاد كالبيت أو المدرسة , كما ان الاطفال قد يسلكون على نحو اكثر طبيعية اذا قام والداهم أو معلموهم بدور المجربين بدلا من وجود شخص غريب لا يعرفونة بشرط تدريب هؤلاء على شروط التجربة واجراءاتها , كما يمكن عرض الموقف التجريبى على نحو يتفق مع ميول الاطفال كأن تعرض اسئلة اختبار الذكاء أو الابتكار عليهم على انها نوع من الالعاب أو الالغاز بدلا من القول على انها لسئلة فى اختبار , كما يمكن للباحث اجراء تجربة ميدانية فى البيئة الطبيعية بالفعل على نحو يجعل المفحوصين لا يشعرون بانهم موضع تجربة . وهذا الاسلوب يجمع بين مزايا الملاحظة الطبيعية والضبط الاكثر احكاما فى الموقف التجريبى . 
3- التوزيع العشوائى للمفحوصين على مجموعات المعالحة يحدث فى بعضهم استجابات سلبية ازاء الموقف التجريبى . وخاصة اذا كان على المفحوص ان يعمل مع مجموعة لا يحب الانتساب اليها . ومعنى ذلك ان الباحث التجريبى علية ان يتعامل مع مفحوصية على انها بشر . واذا نشأت مثل هذة المشكلات علية ان يواجهها ويحلها فى الحال لا ان يتجاهلها , لأن مثل هذة الاتجاهات السلبية لدى بعض المفحوصين قد يهدد صدق نتائج البحث .
4- الاجهزة والادوات والمواد التى تستخدم فى الموقف التجريبى وخاصة داخل المعمل قد تؤدى بالمفحوص الى الاعتقاد بان عليهم ان يسلكوا على نحو غير عادى . زمن ذلك مثلا ان يطلب منة حفظ مقاطع عديمة المعنى . وهو ما لايفعلة عادة فى حياتة اليومية . 
5- توقعات المجرب قد تؤثر فى نتائج التجربة . فالباحث الذى يعتقد بشدة فى صحة فرضة فانة قد يلجأ , ولو عن غير قصد , الى تهيئة الشروط التى تدعم هذا الفرض . ولعل هذا يفسر لنا كثرة الفروض التى تتحقق فى بحوثنا العربية بينما نسبة كثيرة منها لم يتحقق فى البحوث التى اجريت فى بيئات اخرى . بل لعل هذا يفسر لنا ما نلاحظة على بعض الباحثين الذين يشعرون بالضيق والقلق حين لا تتحقق فروضهم . زهذا لون من الخطأ الفاحش فى فهم طبيعة البحث العلمى . لقد صارت الفروض عند بعض الباحثين جزءا من نظامهم العقيدى لا قضايا تقبل الصحة والخطأ على اساس الادلة والشواهد والموضوعية . وللتغلب على هذة المشكلة يقترح علماء مناهج البحث استخدام اسلوب اجراء التجارب بطريقة " معماة " على الفاحصين , وفى هذة الحالة لا يعلم الفاحصون ولا المفحوصون أى معالجة يشاركون فيها الا بعد انتهاء التجربة .
وبالرغم من هذة المشكلات . تبقى للمنهج التجريبى قيمتة العظمى فى تزويدنا بأدق فهم لعلاقات السبب – النتيجة فى دراسة السلوك الانسانى . 
الطريقة المستعرضة : وتعتمد فى جوهرها على انتقاء عينات مختلفة من الافراد من مختلف الاعمار , ثم نلاحظ فيهم بعض جوانب السلوك موضع الاهتمام أو تطبيق عليهم مقاييس لهذة الجوانب من السلوك , على ان تتم الملاحظة أو القياس فى نفس الوقت تقريبا , ويقارن أداء العينات المختلفة فى كل مقياس على حدة , وتتم هذة المقارنات فى ضوء متوسطات العينات أى أن المقارنة بين مختلف الاعمار تتم فى ضوء الفروق بين المجموعات , وتفترض هذة الطريقة أن هذة المتوسطات توضح مسار النمو العادى وتقترب بنا الى حد كبير من الدرجات التى نحصل عليها لو أجرينا البحث على افراد من عمر معين ثم أعيد اختبارهم تتبعيا عدة مرات حتى يصلوا الى الحد الاقصى من العمر موضع البحث . ومن امثلة ذلك اذا اراد الباحث دراسة النمو العقلى باستخدام هذة الطريقة فانة يختار عينات من الاطفال والمراهقين والشباب والكهول والمسنين يطبق عليهم خلال فترة زمنية معينة قد لا تتجاوز الاسبوع الواحد اختبارات تقيس الذكاء يفترض فيها انها تقيس نقس الخاصية السلوكية . ثم يقارن بين متوسطات ادائهم فى هذة الاختبارات الا ان لهذة الطريقة مشكلاتها المنهجية التى تتلخص فيما يلى :
1- العوامل الانتقائية فى العينات المختلفة : فجماعات العمر المختلفة قد لا يكون بينها وجة للمقارنة نظرا لآثار العوامل الانتقائية المتتابعة . ويظهر أثر هذة العوامل خاصة حين تجرى البحوث على التلاميذ والطلاب . فطلبة الجامعات الذين نختارهم لفئة الشباب أكثر انتقائية من طلبة المدارس الثانوية الذين نختارهم لفئة المراهقين , وأولئك أكثر انتقائية من تلاميذ المدارس الابتدائية الذين نختارهم لفئة الاطفال , وذلك لأن الطلاب الاقل قدرة يتم استبعادهم خلال مسار العمل التعليمى , وهكذا فان المتوسط المرتفع لطلاب الحامعات قد ينتج عن عمليات التصفية هذة . ولذلك لكى تستخدم هذة الطريقة بفعالية أكثر فى بحوث النمو لا بد ان تكون ممثلة للأصول الاحصائية العامة للسكان من مختلف الاعمار وان تشتق منها . لا ان يتم اختيار مجموعة الافراد من مؤسسات تعليمية أو مهنية .
2- اللاتاريخية : تفتقد هذة الطريقة المعنى التاريخى الذى هو جوهر البحث فى النمو , فالطريقة كما هو ملاحظ تقتصر على دراسة الفرد الواحد فى لحظة زمنية معينة , وبالتالى لا توفر لنا معلومات عن السوابق التاريخية للسلوك , أى ما هى الخبرات المبكرة التى تؤثر فى السلوك موضع البحث , كما لا تقدم لنا شيئا من المعرفة عن مدى استقرارالسلوك أو عدم استقرارة فى الفرد الواحد . أى الى أى حد يظل السلوك الملاحظ فى وقت معين هو نفسة حين يلاحظ فى وقت آخر . ويرجع ذلك فى جوهرة الى ان التصميم المستعرض يوفر لنا معلومات عن الفروق الجماعية اكثر مما يقدم اية معلومات عن النمو داخل الفرد .
3- اختلاف رصيد الخبرة : قد لا يكون هناك درجة للمقارنة بين ارصدة الخبرة المختلفة عند جماعات الاعمار المختلفة التى تدرس فى لحظة زمنية معينة . فمن المستحيل الحصول على عينات مختلفة الاعمار فى وقت معين ونفترض انها عاشت فى ظروف ثقافية موحدة عندما كانت متساوية فى العمر, وواقع الامر ان المقارنة فى هذا النوع من البحوث تكون بين جماعات عمرية تفصل بينها فوارق زمنية مختلفة قد تصل الى حد الفروق بين الاجيال , كما هو الحال عند المقارنة فى لحظة معينة بين سلوك عينات من الاطفال والمراهقين والراشدين . فمثلا لا يستطيع احد ان يعزى الفروق بين من هم اليوم فى سن الاربعين ومن هم الآن فى سن 15 سنة أو 8 سنوات الى عوامل تتعلق بالعمر وحدة . فعندما كان الافراد الذين هم الان فى سن الاربعين فى سن الخامسة عشرة أو الثامنة كان التعليم اكثر تواضعا والفرص المتاحة للاطفال والشباب اقل تنوعا , والاتجاهات الاجتماعية اكثر اختلافا , ومعنى هذا ان الاختلافات بين مجموعات العمر قد ترجع فى جوهرها الى ظروف متباينة نتيجة للتغيرات الثقافية والحضارية , وبالتالى لا يمكن الجزم بان التغير المشاهد يرجع الى العمر وحدة . ولعل هذا يدفعنا الى ان ننبة دائما الى ضرورة حساسية الباحث لعينة المفحوصين فى هذا النوع من البحوث والتى تختلف فى جوهرها من عمر لآخر . ومن جيل لآخر , فالمفحوصين فى الدراسات المستعرضة لا ترجع الفروق بينهم الى العمر الزمنى وحد ولكن ايضا الى الفترة الزمنية التى ولدوا ونشأوا فيها . ومعنى ذلك ان الجماعات العمرية فى هذة البحوث تؤلف اجيالا مختلفة . ومفهوم الجيل يعنى مجموعة الافراد الذين ولدوا وعاشوا خلال نفس الفترة الزمنية ولهذا يفترض منهم ام يشتركوا فى كثير من الخبرات الثقافية والاجتماعية التى قد تؤثر فى جوانب نموهم . تأمل مثلا أثر التنشئة فى عصر الكمبيوتر والفيديو ومن قبلهما التليفزيون , فالانسان المعاصر يجنى ثمار هذا الانفجار الاتصالى بتعرضة لمدى اكثر اتساعا من المعلومات لم يسبق الى مثلة فى الماضى , فاذا قورن اطفال اليوم بالاشخاص الذين يبلغون الان من العمر 50 أو 60 عاما حين كانوا فى طفولتهم فاننا نتوقع ان نجد لدى شباب اليوم اتجاها مختلفا نحو التكنولوجيا . ومن الصعب حينئذ ان نحدد بحسم ما اذا كان هذا الاختلاف هو نتاج التغيرات التى ترجع الى النمو ام انها ببساطة ترجع الى اختلاف فرص التعرض للتكنولوجيا الحديثة .
4- المقارنة الجماعية : لا تسمح الطريقة المستعرضة الا برسم منحنيات المتوسطات موضوع البحث . والسبب فى هذا ان الاشخاص مختلفون فى كل مستوى عمرى من مستويات البحث , ويتحيل فى هذة الحالة رسم المنحيات الفردية , الا ان مثل هذا الاجراء قد يخفى اختلافات هامة بين الافراد من ناحية وداخل الافراد من ناحية آخرى , وقد ينشأ عن رسم المنحنيات الجماعية ان تتلاشى هذة الاختلافات أو تزول , ولهذا قد يكون منحنى المتوسطات الناجم مختلفا اختلافا بينا عن منحنى النمو لكل فرد على حدة . ومن اشهر النتائج التى توضح لنا خطورة هذة المسألة حالة التقدم الفجائى فى النمو الذى يسبق المراهقة . فمنحنيات النمو الفردية بالنسبة لكثير من السمات الجسمية تكسف عن زيادة فجائية تطرأ على معدل النمو الجسمى قبيل البلوغ . ولما كان الافراد يختلفون فى سن البلوغ فان هذة الوثبة تحدث فى فترات مختلفة لكل فرد على حدة وبالتالى يمكن ان تظهر فى المنحنيات الفردية للافراد المختلفين , فاذا رسمت المنحنيات الجماعية نجد ان هذة الاختلافات الفردية يلغى بعضها بعضا , ونجد المنحنى الناجم عن الفروق الجماعية لا يكشف عن هذة الزيادة الفجائية الا اذا اشتملت عينة الدراسة على افراد يصلون الى البلوغ فة نفس السن , وهو احتمال صعب الحدوث .
وبالرغم من مشكلات الطريقة المستعرضة الا انها اكثر شيوعا فى بحوث المقارنات بين الاعمار ربما لسهولتها النسبية وسرعتها الظاهرة , واقتصادها الواضح فى الوقت والجهد . اضف الى ذلك انها تهيىء للباحث فى مجال النمو الانسانى نظرة مجملة للظاهرة النمائية موضع البحث .
الطريقة الطولية : وفيها تتم ملاحظة نفس العينة من الافراد التى تكون من نفس العمر لحظة البدء فى البحث واعادة ملاحظتهم أو اختبارهم عدة مرات على فترات زمنية مختلفة , وهذة الفترات تختلف حسب طبيعة البحث أى أن هذة الطريقة تتطلب تكرار الملاحظة والقياس لنفس المجموعة من الافراد لفترة زمنية معينة . وبالطبع فان مدى الزمن المستغرق والفواصل الزمنية بين الملاحظات والاختبارات تختلف من بحث لآخر , وذلك حسب طبيعة موضوعة ففى بحث حول نمو تفضيل احدى اليدين فى العمل اليدوى يختبر الاطفال ابتداء من سن 10 شهور مرة كل شهر حتى يصلوا الى العمر الذى يظهر فية تفضيل لاحدى اليدين على الاخرى , وهو عادة ما يكون سن 18 شهرا . وفى بحث النمو العقلى قد نحتاج لفترات زمنية اطول . فالاطفال يختبرون كل شهر عندما يكون عمرهم بين شهر واحد و 15 شهر , ثم كل 3 شهور بعد ذلك حتى يصلوا الى سن 2,5 سنة , ثم كل 6 شهور حتى يصلوا الى سن الخامسة , ثم كل سنة حتى سن المراهقة , وبعض البحوث تتضمن نظاما مختلفا وفترات زمنية اطول وخاصة حين يكون اهتمامها بالنمو عبر مدى الحياة .
والطريقة الطولية بهذا تتغلب على بعض مشكلات الطريقة المستعرضة , وتوفر للباحثين امكانات بحث افضل . انها تقدم صورة جيدة عن النمو داخل الافراد وليس صورة مجملة عن الفروق بين الجماعات العمرية . ثم انها تحدد لنا اى الظروف السابقة أو الخبرات السابقة يؤثر فى النمو السلوكى موضع البحث . ففيها لا تتداخل الفروق بين الاجيال والفروق داخل الجماعات من فروق العمر , كما هو الحال فى الدراسات المستعرضة , ولعل من اهم مميزات التحكم فى اثر اختلاف الاجيال ان الاثار فيها ترجع الى زمن ولادة المفحوص أو الجيل الذى ينتسب الية ولا ترجع فى الواقع الى محض عمرة , فالاجيال كما بيننا قد تختلف فى سنوات التعلم ومما رسات تنشئة الاطفال والصحة والاتجاهات نحو الموضوعات الحساسة كالجنس أو الدين , وهذة الاثار التى ترجع الى الاجيال لها اهميتها لأنها تؤثر بقوة فى المتغيرات التابعة فى الدراسات التى تبدو ظاهريا مهتمة بالعمر , وآثار اختلاف الاجيال قد تبدو كما لو كانت آثار اعمار مع انها ليست كذلك بالفعل , ومن ناحية اخرى فان هذة الطريقة تسمح للباحثين بتحليل الاستقرار أو الاختلاف الذى يحدث داخل الفرد بمرور الزمن . أضف الى ذلك ان هذة الطريقة تستغرق وقتا طويلا فى دراسة كل الفروق بين افراد العينة حتى يكتما البحث , ومعنى ذلك انها اقل جاذبية من الطريقة المستعرضة فى ضوء معيار الزمن , ومع ذلك فاننا بها وحدها نستطيع ان نحدد اى الشروط او الخبرات السابقة تؤثر فى نمو السلوك موضع البحث .
ومع هذة المزايا الظاهرة للطريقة الطولية الا ان لها مشكلاتها ايضا نلخصها فيما يلى :
1- العوامل الانتقائية فى العينة الاصلية : فالافراد الذين يشاركون فى بحث من طبيعتة ان يستمر لعدة سنوات يتم انتقائهم فى الاغلب تبعا لعوامل تحكمية وليست عشوائية . ومن هذة العوامل استقرار محل الاقامة , والتعاون المستمر مع الباحث , وبالطبع فان المفحوصين الذيم يتم انتقاؤهم بهذة الطريقة قد تتوافر فيهم حصائص أخرى بالمستوى الثقافى والميول والاتجاهات بل والظروف الطبيعية والصحية تختلف عن الاصل السكانى العام على نحو يجعلها منذ البداية عينة متحيزة ولبست عشوائية , فقد تكون العينة أعلى نسبيا من المستوى العام للاصل الاحصائى السكانى .
وقد يكون العكس صحيحا ايضا فى بعض عينات هذة البحوث ومن ذلك الافراد الذين يقيمون فى المؤسسات ( كالاطفال والمراهقين الذين يعيشون فى الملاجىء والشيوخ الذين يقيمون فى بيوت المسنين ) فاطفال ومراهقو الملاجىء والاصلاحيات يمثلون مستوى ادنى من الاصل الاحصائى العام . بينما شيوخ دور المسنين قد يكونون من مستويات اقتصادية واجتماعية عالية نسبيا اذا كانت هذة البيوت بمصروفات تديرها جمعيات خاصة , وقد يكونون من مستويات دنيا اذا كانت هذة البيوت من النوع المجانى الذى تديرة هيئات حكومية للإيواء العام . وفى الحالتين يصعب تعميم نتائج مثل هذة البحوث الطولية على المجتمع الاصلى , ومع ذلك فان لهذة البحوث فائدتها اذا تم توصيف الاصل المشتقة منة العينات توصيفا دقيقا , أو تم توصيف العينة موضوع البحث توصيفا مفصلا بحيث يمكن تعميم النتائج التى تتوصل اليها البحوث على اى اصل احصائى مشابة لها . 
2- النقصان التتابعى للعينة : فلا شك فى ان البحث الطولى يستغرق فترة طويلة نسبيا من الزمن , ولهذا نتوقع ان يتناقص عدد المفحوصين تدريجيا , ولذلك فان المتابعات المتأخرة لنفس العينة نجدها تتم على اعداد قليلة الى حد كبير لة قورنت باحجم الاصلى لهذة العينة عند بدء البحث منذ سنوات بعيدة , وهذا التسرب فى العينة لا يتم بطريقة عشوائية , فالمفحوصون الذين يستمرون فى المشروع التتبعى حتى نهايتة هم فى العادة من الذين يتسمون بانهم اكثر تعاونا واكثر دافعية واكثر مثابرة واكثر كفاءة من اولئك الذين يتسربون طوال الطريق . وعلى هذا فانة عند نهاية اى دراسة طولية نجد ان المتبقى من عينة المفحوصين قد يكون متحيزا على نحو يجعل من الصعب مرة اخرى الوصول الى استنتاجات وتعميمات الى الاصل الاحصائى العام . 
3- أثر اعادة الملاحظات : توجد مشكلة منهجية ثالثة فى البحوث الطولية تتمثل فى الاثر المحتمل الذى تحدثة المشاركة المستمرة فى سلوك المفحوص , فالممارسة المتكررة للاختبارات وزيادة الالفة بفريق البحث , والتوحد باحدى الجماعات لفترة طويلة نسبيا من الزمن . هى جماعة البحث . وغير ذلك من ظروف البحث الطولى التتبعى ذاتة , قد تؤثر جميعا فى اداء المفحوص فى الاختبارات وفى اتجاهاتة ودوافعة , وفى توافقة الانفعالى , وغير ذلك من جوانب السلوك . ومن ذلك مثلا ان المفحوص حين يعطى نفس الاختبارات أو ما يسبهها عدة مرات فانة يصبح على درجة كبيرة من الخبرة بها وفى مثل هذة الحالات سوف يؤدى المفحوص جيدا على الاختبارات اللاحقة لا بسبب النمو وانما بسبب أثار تكرارالممارسة .
وعلى الرغم من هذة الطريقة تستغرق وقتا طويلا وتتطلب تكلفة هائلة فانها لها قيمتها فى انها تهيىء لنا تتبع مسار التغيرات فى المفحوصين كأفراد عبر الزمن . تخيل باحثا يجرى دراسة على النمو العقلى خلال مدى الحياة . انة يواجه المهمة المستحيلة اذا صمم بحثة لجمع البيانات بنفسة , لأنة اذا بدأ بحثة على مفحوصيم من الاطفال وعمرة مثلا 25 سنة , فانة حين يبلغ مفحوصوة سن 65 سنة مثلا ويدخلون فى مرحلة الشيخوخة ربما يكون قد مات هو نفسة . بل انة فى الحدود الزمنية الاقل تطرفا توجد عوائق كثيرة من الوجهه العملية , ولهذا السبب نجد ان القاعدة هى وجود بحوث طولية قصيرة المدى لا تتجاوز فى العادة خمس سنوات . 
4- أثر وقت القياس : يمكن لبعض الاثار التى تحدث فى المفحوصين من عينة البحث الطولى ان ترجع الى وقت القياس وليس الى النمو فى ذاتة . لنتأمل مثلا فرضية فحصت التغيرات المرتبطة بالعمر فى الاتجاة نحو العمل اليدوى اثناء الرشد , ان هؤلاء المفحوصين اذا كانوا قد اختبروا أو تمت ملاحظتهم ومقابلتهم فى اوائل الخمسينات حين كانوا فى بداية المراهقة قد يظهرون اتجاهات محافظة نسبيا حول هذا الموضوع , ولكنهم عندما يختبرون اليوم بعد اكثر من ثلاثين عاما فان هؤلاء المفحوصين انفسهم قد يكونون اكثر تحررا وتسامحا فى اتجاهاتهم , وقد تفسر هذة النتيجة بانها تعنى ان الاتجاة نحو العمل اليدوى يصير اقل محافظة عند التحول من المراهقة الى الرشد الاوسط , الا ان السبب الحقيقى ان الزمن قد تغير طوال هذة الفترة مع تغير المجتمع ككل حيث اصبح اكثر تقبلا للعمل اليدوى . فالتغيرات الملاحظة فى هذة الدراسة الفرضية قد تعكس بنفس القدر التغير التاريخى فى المجتمع وليس التغير النمائى العادى الذى يحدث خلال الرشد فحسب ومعنى ذلك ان التصميم الطولى فى ذاتة لا يساعدنا بالضرورة على الوصول الى تعميمات جيدة حول آثار النمو , وكما هو الحال بالنسبة للبحوث المستعرضة لا بد ان تكون حذر شديد فى تفسير النتائج .


إرسال تعليق

 
Top