ما الذي جعل برنامجا معلوماتيا يخلق كل هذه الزوبعة في المؤسسات التعليمية، ويخرج التلاميذ بشكل خاص في مواجهته؟ 
يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى، أن مجرد خروج المظاهرات التلامذية بهذه الكثافة في العديد من مدن المغرب، يعني أن شيئا من مقتضيات هذا البرنامج يستهدف التلاميذ، وأنهم هم المتضررون الأوائل منه، لكن الوزارة سارعت إلى  التوضيح مبددة الإشاعات التي أثيرت حول البرنامج وكونه يلغي نهائيا نقطة المراقبة المستمرة، مؤكدة في هذا السياق ألا شيء تغير في نظام الامتحانات، وأن الأمر يتعلق بتعزيز وتحديث قطاع التربية والتكوين باعتماد تقنيات حديثة تربط المؤسسات التعليمية بالنيابة الإقليمية والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين إلى الإدارة المركزية.
إذن أين المشكلة في برنامج "مسار"؟ وما الدوافع التي تبرر هذه المظاهرات المتناسلة؟ بل ما الذي جعل وزارة التربية الوطنية نفسها تصرح بأن الدافع وراء هذه المظاهرات سياسوي؟
لا شك أن هناك مشكلة ما لا بد من البحث عنها، فالبرنامج في حقيقته يتلخص في اجتهاد وزارة التربية الوطنية في التدبير المعلوماتي للمؤسسات التعليمية، بما يعني ذلك التتبع الفردي للتلاميذ، وتدبير الزمن المدرسي، والبنيات التربوية، وتدبير عمليات الدعم الاجتماعي، وإحداث فضاء للتلاميذ و أوليائهم في بوابة الانترنت لمتابعة السير الدراسي لأبنائهم ومراقبة فروضهم وتغيباتهم، وجل المؤسسة التعليمية مكشوفة لجهتين اثنتين: الإدارة المركزية والآباء.
أي أن الوزارة لا تسعى إلى أكثر من الاحتذاء بالنماذج التي يتم تطبيقها في الدول المتقدمة، والتي  تجعل منظومة الحكامة والشفافية تدخل إلى المؤسسة التعليمية من الباب الواسع، وذلك عبر المراحل الأربع: تدبير الدخول المدرسي، وتقييم التلاميذ، والإحصاء، والموارد البشرية والزمن المدرسي.
من هذه الزاوية، لا شيء يضر التلاميذ سوى أن كل المعلومات المتعلقة بهم ستكون بين يدي الآباء، أي أن المؤسسة التعليمية من خلال الفضاء الإلكتروني المخصص للأبناء وأوليائهم، ستضع كل البيانات عن تغيبات التلاميذ وسلوكهم ونقاط مراقباتهم رهن إشارة الآباء، وهو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يكون قد أثار فئات من التلاميذ تريد أن تبقي الآباء والأولياء بعيدا عن مراقبتهم، وهو الأمر الذي كان من الممكن تفادي أي احتقان بشأنه، إن تم إدماج الاباء في هذه العملية الإصلاحية، وعدم مفاجأة أبنائهم بها.
ربما يكون المتضرر الأكبر من هذا البرنامج، هم المدراء بدرجة أولى، و الأساتذة بدرجة ثانية. أما المدراء، فقد تم إثقال كاهلهم بمهمة جديدة ومعقدة ستستهلك جزءا كبيرا من وقتهم، بل يمكن أن يتحملوا مسؤولية تأخير النتائج إن لم يحصوا على إدخال المعلومات في الوقت المحدد، ولأن عملية التكوين لم تبدأ إلا في وقت متأخر أي  صيف السنة الماضية، فإن الذين لم يخضعوا بعد للتكوين سيكون الأمر بالنسبة إليهم مرهقا وصعبا، كما أن هناك مشكلات تقنية تعيق العمل الفعال للمدراء لاستكمال البيانات المطلوبة في البرنامج، من ذلك الضغط الذي يقع على الخازن المركزي، والذي يتسبب في تعثر عملية إدخال النقط، وضعف الآليات الإلكترونية الموجودة في المؤسسات التعليمية وتقادمها، هذا فضلا عن ضعف التغطية في بعض المؤسسات وضعف الصبيب.
أما الأساتذة، فالأمر يتعلق بالانضباط في إنجاز فروض المراقبة المستمرة وتصحيحها وتوفير مسك النقط في الوقت المطلوب، هذا فضلا عن التقيد الصارم بالتوجيهات التربوية فيما يخص الالتزام بأوقات العمل والتغيب.
على أن الفائدة الكبيرة الذي تتمثل في هذا البرنامج، وهو أنه سيضع حدا لأي تدخل في تغيير النقط لاعتبار من الاعتبارات، و سيجعل سلطة الإدارة والنيابات مراقبة لاسيما في عملية تدبير الموارد البشرية.
نعود الآن، إلى طرح التساؤل، إذا كان هذا البرنامج بهذه الفوائد وأيضا بهذه الإكراهات، فأين تكمن المشكلة؟
التقدير أن المشكلة  ليست سياسوية كما ذهبت إلى ذلك وزارة التربية الوطنية، وإنما هي من ثلاث نواح:
1- الأولى، وهو ضعف التواصل، أي أن الوزارة لم تقم بجهد كاف يقرب الجميع من هذه الخطوة الهامة، ولم تجهز جوابا عن حجم المقاومة التي يمكن أن يواجه به هذا البرنامج، ولم تدمج الأطراف الأساسية في عملية تنزيل هذا البرنامج.
2- الثانية، أن التعقيدات التي تضمنها البرنامج لم تراع الإكراهات التي توجد عليها المؤسسات التعليمية، وأنه كان بالإمكان في مرحلة أولى انتقالية أن يتم الانطلاق من الحد الأدنى في أفق تطوريه بشكل تدرجي حتى تتمكن الوزارة من ضمان نجاح الإصلاح لاسيما وأن البرامج السابقة كانت عملية ولم تلق مثل هذه المقاومة.
3-  الثالثة، أن الوزارة استعجلت تطبيق البرنامج قبل أن تستوفي عملية التكوين مهامها، وقبل أن توفر الشروط الضرورية لنجاحه، مما قد يجعل نتائجه أكيدة في هذه المرحلة.
ولذلك، المطلوب اليوم من الوزارة أن تستدرك الأمر، وأن تنخرط في جهد تواصلي كبير، وأن  تتحلى بقدر من المرونة في تطبيق البرنامج ريثما تتوافر شروطه الكاملة، وأن تولي الاهتمام الأكبر بالتكوين، لأن المهم ليس هو تطبيق هذا المشروع هذه السنة، إنما المهم هو وضع اللبنات الأساسية ليصير تقليدا عاديا في الحياة المدرسية بالمغرب.

بقلم بلال التليدي


إرسال تعليق

 
Top