إن من يدرس واقع التعليم في المغرب،بجد وإخلاص، وتبصر،وعن حسن نية،لينبغي له الوقوف على الظواهرالخطيرةالتالية، وهي السبب المباشر في هذه الأزمة المزمنة، وهذه المهزلة المتواصلة، وهذا الحطام، من البشر، الذي تلفظها مدارسنا وجامعاتنا سنويا، بلا
علم ولا أخلاق، ولادين، ولاعقل، ولا وطنية، ولا اتجاه صحيح، إلا من رحم ربك، وما أقلهم:

الظاهرةالأولى:
و هي أخطر هذه الظواهر: إنعدام الثوابت، التي تؤسس عليها كل أمة تعليمها، وبرامج قضاياها الوطنية الكبرى، وهذه الثوابت، هي الخطوط الحمراء، التي لا ينبغي لأحد، مهما كان أن يهينها، بتجاوزها، أو بالضرب عليها صفحا، أوبإهمالها بشكل من الأشكال. مثلا : هوية الأمة، ودينها،ولغتها، ووطنيتها، وسائر مقدساتها، التي بها تعتبر أمة مستقلة بهويتها ،وخصائها ،التي تضمن لها استمرارها بين الأمم، واستقلالها بحدودها في الكون، فهذه المبادئ، كلها، تلاعبت بها برامجنا التعليمية، إلى حد إسقاط كثير من مقوماتها وأسسها، ثم استمر تهميش الباقي، بدواع عبثية، يرادبها مسخ الأمة و تضليلها. فمثلا :كم ألغت برامجمنا التعليمية من مقومات الحضارة الإسلامية ، بل من آيات قرآنية، باسم الإرهاب وباسم التسامح الديني، وباسم التطرف … وهذه الأوهام كلها قد أملتها الماسونية الدولية على الشعوب ، التي فقدت هويتها، ووطنيتها، وموقعها في الكون العام، وهي أوهام جد خطيرة، على مجتع يسمي نفسه مسلما، ثم يربي أبناءه، تربية تمليهاعليه الماسونية الصهيونية، والصليبية السوداء باسم الأمم المتحدة، وحقوق الإنسان، وباسم المعاهدات والمواثيق الدولية، والحريات العامة، والإنسانية الكونية …

الظاهرة الثانية:
التعليم وسوق الشغل، وذلك أننا لانتخذ التعليم في حد ذاته هدفا،وإنما الهدف الأساسي الذي ترسمه الدولة والأسرة والشعب كله، هوالخبز، لاغير، ولذلك لانريد من المدرسة – آباء وأمهات،وحكومة،ومؤسسات…- علماء متضلعين في التخصصا ت المختلفة ، ليسهموا بعلمهم ، وبفكرهم ، وابتكارهم ، قي ازدهار الأمة ، وإنما تريد من المدرسة أن تكون مصنعا لإنتاج البشر الآلي،أي عمالا تحت الطلب، ووفق سوق الشغل الموهوم، ولذلك استفحلت عدنا البطالة، والانقطاع عن الدراسة، والتقاعس عن الشغل ، وساد التكاسل والتهاون في أخذ العلم، فأصبحت الشهادة هي الهاجس الأول والأخير . و أمام أ مر هذا الواقع المر ، التجأ المتعلمون إلى وسائل الغش والتزوير، ليس من أجل النجاح، بل للحصول على أعلى نقطة،  ولوأدى الأمر إلى انتزاع نقطة التفوق بالعنف، إن لم تسعف الرشوة، والمحسوبية، والتدخلات السافرة.

الظاهرة الثالثة:
وهي الطامة الكبرى : فرض التفوق بنقطة عالية ،للمشاركة في المباريا ت، والمدارس والمعاهد المتخصصة،وبعض الكليات، كالطب والهندسة، ولانحتاج أن نضيف هنا إغلاق أبواب الدراسات العليا، والبحث العلمي، (سلك الدكتواره)، الذي لايلجه أحد إلابشروط إعجازية، وبمقابلات إجحافية، تتم بالوابونية والمحسوبية والرشوة، والعنصري… ولايراد منها إلا ،الحد من عدد الباحثين إلى أقصى نهاية ممكنة.
الظاهرة الثالثة : المقرارت المدرسية والجامعية الفارغة من المحتويات العلمية، والتر بو ية المطلوبة،والهادفة إلى تكوين الإنسان المتزن،عقيدة، وسلوكا ،ووطنية، وعلما، ومعرفة، ورؤية واضحاة للكون، ووعيا بوظيفة الإنسان في الحياة ،وتلك مكتسبات من أهم مقومات كل تعليم ناجح ومفيد، ويضاف إلى هذا، فرض مقررات لكل مدرسة أومؤسسة، بمعنى أن التعليم عندنا ليس وطنيا ولا جهويا، ولاحتى محليا، بل تكاد الوزارة تفرض مقررا لكل أسرة،وهذا منتهى المهزلة التي وصل إليها تعليمنا اليوم،وبقية المساوي فيالطريق .

الظاهرة الرابعة:
أن التعليم عندنا في جميع مستوياته،حقل التجارب، وكأن أبناء نا مجرد فئران في مختبرات الدول الأجنبية ، في عقر دارنا، تجرب فيه الدول ما لا يمكن أن تتجرأ بتجربته على أبنائها، فقد جرب في المدرسة المغربية مئات البرامج الأجنبية ،من غيرأن ينجح منها أي واحد، وآخرها، المخطط الجهنمي المسمى :”الاستعجالي”، و:”مدرسة النجاح ” ،الفاشلة ، قبل انطلاقها ، ويليهما أفشل برنامج في التاريخ البشري ، المسمى : ” بيداغوجية الإدماج”،الذ ي تبنيناه واحتضناه، بعد إجهاضه في دول أجنبية، فأنفقنا عليه الملا يير، فمالبث أن مات، فبل أن يهل ويصرخ صراخ الولادة.

الظاهرة الخامسة :
أن تعليمنا، منذالاستقلال، تتلاعب به الأحزاب بحسب هواها، فكل حزب تولى وزارة التعليم، يقلب النظام والخطط والبرامج والتصورات والأهداف، التي وضعهاحزب سابق، (وليس الأمة)، يقلبها رأساعلى عقب،بل يلغي مالايتفق مع مزاجه الشخصي وتوجهه… وذلك أننا ، كما قلت، ليس لتعليمنا ثوابت ، وخطوط حمراء ، يجب احترامها والالتزام بالسير وراءها، دون تجاوزها.

الظاهرة السادسة:
انهيار القيم الإنسانية، والأخلاق النبيلة ، في الأسرة ، والمجتمع، والشارع، فكان للمدرسة أخطرنصيب من هذا الانهيار:فلم يعد الأب أبا، ولا الأم أما، ولاالتلميذ تلميذا، ولا المعلم معلما، فكان للنقبات السياسية، ومنظمات ما يسمى بحقوق الانسان ، والهيئات الدولية، وإجحافات العولمة، ومايسمى بالحريات العامة… كان لهذه كلها أثر سلبي إلى أقصى الحدود، على تربيتنا المنهارة، فكيف يستقيم التعليم إذا انهارات التربية، ونسفت القيم؟؟؟. ونتيجة لانهيار القيم البناءة، انفتحت الأفواه النتنة، وامتدت الأيدي الآثمة إلى الأساتذة المربين، رجالا ونساء،في جميع أسلاك التعليم، فلاتسمع من الآباء والأمهات والتلاميذ والطلبة، والمجتمع كله، معضدا بجميع وسائل الإعلام ،لا تسمع إلا الاعتداءات، والشتائم، والتهكم، والاستهزاء والسخرية ، والتنكيت، وجميع أنواع الإهانات، فماذا ننتظر من تعليمنا إذ ن، وحالتنا هكذا؟؟؟
الظاهرة السابعة:
تكليف الآباء والأمهات،في كل سنة دراسية،بشراء أطنان من الورق،تسمى المقررات ،يحملها الأبناء ،صباح مساء، فتنحتي بها ظهورهم ، أكثر مما تحترقت بها جيوب أبائهم،وتكتوي بها نفوسهم ، وفي آخر كل سنة دراسية ، تنقل شاحنات الأزبال مئات الأطنان من الورق المكتوب،تسمى الدفاتر والكتب المدرسية،ويعبث الريح في الشوارع والأزقة بمثل ذلك .
الظاهرة الثامنة :
التوقف شبه تام ،عن البنايات المدرسية الجديدة، بحيث لانجد مشاريع سوى تقسيم المؤسسات السابقة، لجعل كل مؤسسة مؤسستين أو أكثر، باسم إحداث البنايات ، ليتكدس فيهاالمتعلمون كحَب الرمان أوعلب السردين. أماالجامعات،  فمكدسة بلاحدود في رقعة محددة يينما نجدرقعةأكثر من نصف المغرب لم تكتمل فيها جامعة، فتحشى قاعاتها، وجميع مدرجاتها بآلاف البشر، مثلا :من أكادير إلى الدخلة ثلاث كليات،لاغير.

الظاهرة التاسعة:
إقصاء المدرسين نهائيا في اتخاذالقرارات،وتهميشهم،عند وضع المقررات، وفي تأليف الكتاب المدرسي:وذلك أن جميع القرارات والمراسيم والمذكرات الوزارية ،وكذا تأليف الكتاب المدرسي، ارتجالية ومزاجية، ومواقف شخصية، ينفرد بها أصحاب الكراسي المتحركة،الآمرون الناهون في الهواتف ،الذين لاعلاقة لهم بالميدان ، ولابهذا الوطن ،وآخر من يعلم هو المدرس،حين يجبر على تبطبيق، مالا ينبغي تطبيقه،أويستحيل تطبيقه،ومع ذلك فإن الجميع يحملون المدرسين مسئولية هذا الفشل الذ ريع ، رغم أنهم من ذلك أبرياء ، براءة الذئب من دم يوسف.

الظاهرة العاشرة:
ما يسمى بالتكوينات : تتظاهر الوزارة بتكوينات ، مختلفة في ميدان التربية والتعليم ، وترصد لذلك ميزانيات، فوق ما يتصور، وتحجز فنادق ضخمة وفاخرة ، ولكن لا يحض رتلك التظاهرات، من المدرسين ، إلا المحظوظون ، وحتى من يحضر من المحظوظين لايستفيدون،علما ولا مالا،وإنما يحضرون لينصتواإلى القراء ة الحرفية للمذكرات والقرارات، والمراسيم، والمشاريع الوهمية، و يستمتعون بمناظر الفنادق، ومالذ وطاب من الأطباق، وكل ذلك من التوقيع على”الفاتورات”الخيالية فينتهي الأمر إلى تبذير ميزانية، لا يقبل العقل مقدارها ، وهكذا…
هذه هي أهم الأمراض التي نخرت جسم تعليمنا،فخر على وجهه مغشيا عليه ، وهو يُحْتَضَرُ ويصارع سكرات الموت ،ولذلك ظل راقدا في الاستعجال ، والأطباء كلهم في عطلة،ولم يخرج منه بعد،ولن يخرج منه مفيقا من غيبوبته المزمنة،لاستفحال جلطته الدماغية عن العلاج . ومن سوء حظه أن جميع الأطباء من حوله أميون في وظائفهم….

إرسال تعليق

 
Top