د. اسماعيل مفرح
للدراسات التي تناولت التوجيه والإرشاد المهني لاعتباره من أبرز مجالات الإرشاد النفسي ولكون التوجيه والإرشاد بدأ في أحضان التوجيه المهني أصلا على يد فرانك بارسون Frank Parason في الستينات من القرن المنصرم فقد ظهرت له نظريات وأطر علمية وتطبيقية تناولت النمو المهني تحديدا بدءا بالاختيار المهني المناسب ووصولا إلى الحصول على مهنة المستقبل التي يقتات منها الفرد ويعبر من خلالها عن ذاته وهويته الإنسانية والاجتماعية .. من هذه النظريات نظرية هولاند Holand Theory لصاحبها جون هولاند JOhn HOLANDوتختلف في بنيتها عن النظريات المهنية الأخرى كنظرية جينزبرج Ginzberg Theory وتركز على اختيار المهنة منذ مراحل النمو الأولى للفرد لتعتمد على الخبرات والمعلومات والنضج الشخصي ولا تهتم بميول الأفراد واستعداداتهم واتجاهاتهم, أما نظرية آن رو Ann Roe Theory فقد اعتمدت على دراسة الفروق الشخصية بين الناس وعلاقتها بما يختارونه من مهن ووظائف مختلفة لكونه بأن ليس لهم دخل فيما يختارونه وإنما يعتمد على التنشئة الأسرية التي يتعرضون لها فإذا كانت تتسم بالتساهل أو القسوة فأن أفرادها سيختارون مهنا خدمية بسيطة كمهن العمالة , أما الأهل الذين يقومون بالرعاية المتوازنة لأبنائهم فأنها ستؤدي بهم الى اختيار مهن علمية و تطبيقية وتتشابه مع نظرية السمات والعوامل Trait Factor Theory التي تؤكد على أهمية إدراك الفرد لاستعداداته وقيمه واحتياجاته وعلاقتها بمتطلبات واحتياجات المهنة لإيجاد التوافق المطلوب بين الذات ومهنته ,أما نظرية سوبر Super Theory فهي تنظر للفرد وفقا لخصائص نموّه وارتباطها بمفهوم تحقيق الذات لديه وعلاقتها بهوية النجاح أو الفشل بما يقود أخيرا إلى تحديد مستوى الرضا الوظيفي عنده. وتتمحور نظرية هولاند حول الدور الذي تلعبه شخصية الفرد وما يترتب عليها من سلوك شخصي في اختيار مهنته وفقا لما يتكون لديه من انطباعات ومشاعر وأفضليات تجاه العمل المهني ومن خلال هذا المنظور فإن انطباعات الناس ومشاعرهم واتجاهاتهم نحو المهنة التي يودون العمل فيها ليست بالضرورة أن تكون صادقة وواقعية فهي تظل أسيرة لمشاعر انطباعية قد تكون بمنأى عن الواقع الذي لابد أن يبني الفرد عليه صورة ذهنية معينة مبنية على جوانب مبنية من الواقع والحقيقة, هذا فضلا عن شح المعلومات التي يتحصل عليها الفرد عن المهنة التي يتوق إليها بما يؤدي إلى ازدياد النظرة السلبية عن المهن التي يتطلع في الحصول على إحداها ... لكن هولاند ربط تطلعات الأفراد نحو ممارسة المهنة بوجود بيئات مهنية لها سمات وخصائص معينة قد تتناسب مع شخصية الفرد وتطلعاته المهنية .. وهذه البيئات تتسم بجوانب منها: بأنها متغيرة وليست ثابتة وتتصف بالسهولة والسلاسة فهي ليست صعبة او معقدة من حيث الوصول إليها .. وكما أن الأدوات المستخدمة فيها متوفرة فضلا عن توفر المعلومات المتعلقة بها بما يشجع الفرد على الاختيار في ضوء ما يتوفر من بيئات مهنية .. ويقسم هولاند هذه البيئات إلى الآتي - البيئة الواقعية : مثال : المزارعون .. العمّال ..سائقو السيارات و المركبات الكبيرة " التريلات - البيئة البحثية : " العلمية ": مثال : الصيادلة .. الكيميائيون .. الفيزيائيون .. علماء الأحياء .البيئة الاجتماعية : مثال : الأخصائيون الاجتماعيون / النفسيون .. المرشدون .. المعلمون .4 - البيئة التقليدية : مثال : أمناء المكتبات .. المحاسبون ..الصرافون5- بيئة المشروعات : مثال : البائعون ..رجال الأعمال .. السياسيون . -البيئة الفنية : مثال : الرسامون .. النحاتون .. التشكيليون ..الموسيقيون .
يتطلب من كل فرد التكيف مع هذه البيئات ليختار ما يناسبه منها كما ينبغي تنمية مهاراته وفقا لأفضليات المهن لديه .. فالنمط الواقعي يتسم صاحبه بالقوة الجسدية والميل إلى الذكورة فضلا عن وجود نزعات عدوانية لديه ولذلك فان النشاط الذي يقوم به لا يخلو من القوة الجسدية التي تتطلب مهارات بحد ذاتها تعتمد على الجانب العضلي لدى الشخص كما يعمل المزارع والعامل وسائق المركبة الكبيرة أيضا .. أما صاحب النمط البحثي أو العلمي أو المعرفي فهو يستخدم أكثر من العمل الفعلي آليات متتابعة من التنظيم والفهم أكثر من السيطرة والإقناع بالإضافة إلى عدم الاهتمام بالجانب الاجتماعي وما يؤدي إليه من تفاعل وتداخل مع الغير أو العمل على مسايرتهم وبالتالي فإن الأمن الاجتماعي هنا غير متوفر بالدرجة المطلوبة .. أما النمط الاجتماعي فالفرد من خلاله ميّال إلى الإيفاء بحاجاته الشخصية ولجذب الاهتمام وبالتالي فهو ميال إلى التفاعل الاجتماعي مع الآخرين والانجذاب إليهم وتكوين الصداقات معهم وصولا إلى تكوين علاقات وشراكات مبنية على الاتصال الاجتماعي الفعّال كما نلحظه من خلال ما يقوم به المعلم أو المرشد الطلابي في المدرسة أو الأخصائي الاجتماعي أو النفسي في المؤسسة أو العيادة النفسية التي يعمل فيها .. كما أن النمط التقليدي أكثر ارتباطا بتطبيق الأنظمة واللوائح ويقوم بما يكلف به من ادوار عادة ويتسم بالانضباطية وتنفيذ الأوامر والتعليمات إلى درجة كبيرة على الرغم من تفاعلهم الاجتماعي مع الآخرين وبالتالي نجدهم أكثر ارتباطا بأعمالهم ويصابون بالذعر عندما يهمس أرباب الأعمال بإيجاد تغيير في بيئة العمل بتقليص عدد العمالة لديهم .. ويأتي نمط أصحاب المشروعات فالفرد فيه يتسم بقدرته على الإقناع لكونه يمتلك مهارة لفظية عالية وشطارة اجتماعية فريدة تعد من أساسيات نجاح مشروعاتهم سواء كانت تجارية أو تسويقية أو صناعية ليدعمون ذواتهم وكذلك الآخرين .. أما النمط الفني فان الفرد فيه يمتلك القدرة على التعبير الذاتي بما يمتلك من أحاسيس ومشاعر فياضة وبالتالي فأن علاقته بالناس وثيقة وان كانت تتم بطريقة غير مباشرة ولكن من خلال العمل الفني الإبداعي الذي يقوم به صاحب هذا النمط يحب القيام بمهامه وواجباته وان كان لا يحب الأوامر والتعليمات ولكنه ميال بطبيعته إلى التفاعل الاجتماعي المؤثر ويعبر عن عواطفه بشكل اكبر مقارنة بغيره
خلاصة الرؤية التي تتجه لها هذه النظرية فأن الشخصية الإنسانية هي نتاج مؤثرات البيئة والوراثة وتتجه بالفرد نحو نوع البيئة التي وردت في هذه النظرية وأنماطها المتعددة بشكل أكبر وفق تدرج هرمي لا يخلو من الجاذبية نحو هذه البيئة أو تلك وفقا لما يتسم به الفرد من ميول واستعدادات وقدرات واتجاهات وخصائص شخصية ولما يمارسه من أنشطة وهوايات ومنها ما يراه الفرد نحو ذاته وتقييمه لها, ويمكن للمرشد الطلابي في المدرسة استثمار تطبيقات هذه النظرية في الميدان المدرسي ومساعدة الطالب على الانتقاء والاختيار المهني المناسب لدراسته ووظيفته المستقبلية وذلك من خلال استخدام استبيانات و اختبارات وقوائم القدرات كاختبارات الذكاء أو اختبارات الميول والاستعدادات المهنية والاتجاهات أو تلك التي تهتم بجوانب الشخصية والجوانب الاجتماعية للطالب من خلال زيارات الطلاب للمؤسسات الحكومية والأهلية ومقابلة العاملين فيها وخاصة الناجحين في أعمالهم ومشروعاتهم المتنوعة لإكسابهم منظومة من الخبرات والتجارب الحياتية المختلفة وللتعرف على النمط الذي يندرج الفرد في إطاره في ضوء هذه النظرية وغيرها من نظريات الإرشاد المهني المختلفة , وبالتالي فإنها قد تسهم في اختيار المهنة المناسبة في أي قطاع من القطاعات التي يوفرها سوق العمل المهني .
إرسال تعليق