بقلم: نهاري امبارك، مفتش في التوجيه التربوي، مكناس
موقع المستشار في التوجيه التربوي
ضمن عملية الإعلام المدرسي والمهني والجامعي
بقلم: نهاري امبارك، مفتش في التوجيه التربوي، مكناس؛
مقدمة:
يعتبر الإعلام المدرسي والمهني والجامعي أحد المكونات الأساسية للتوجيه التربوي، كما يعتبر عملية تربوية تتجلى في تبصير التلميذ ومده بمعلومات حول نفسه ووسطه المدرسي والمهني، من أجل معرفته لنفسه ومعرفته لمحيطه المدرسي والمهني والاجتماعي والاقتصادي والثقافي. كما يعتبر العمود الفقري للتوجيه التربوي، وجزء لا يتجزأ من نظام التربية والتكوين. من هذا المنطلق، فالإعلام المدرسي والمهني والجامعي سيرورة متواصلة ومستمرة في الزمان والمكان، يواكب المسار الدراسي للتلميذ خلال جميع المستويات التعليمية والتكوينية، وخصوصا منها الثانوية والجامعية. كما أنه عملية تربوية تصاحب النمو الفكري والجسمي للتلميذ، وتسير به إلى أعلى درجات النضج الفكري والمهني من خلال المعلومات المتواصلة والمكثفة التي يتزود بها، حيث يسهم بشكل إيجابي في تحسين نوع الأنشطة التربوية والمردودية المدرسية كما ونوعا. فالإعلام المدرسي والمهني، إذن، وسيلة تسهم في مساعدة التلميذ على التحكم في مختلف الوضعيات من أجل تحقيق الأهداف التي يرسمها لنفسه. كما تمكن التلميذ من اتخاذ قرارات شخصية حرة وواعية، استنادا إلى المعلومات التي يتوفر عليها ويتوصل بها تدريجيا خلال مساره الدراسي استجابة لطلباته وطموحاته ورغباته الشخصية.
وتتأسس عملية الإعلام عموما على التواصل وتقنياته ووسائله المختلفة المستعملة والمعتمدة من طرف المستشار في التوجيه التربوي في تزويد التلاميذ بالمعلومات التي يتوصل بها عبر مختلف القنوات؛
¨ فما هي المكونات المادية والبشرية المتدخلة في عملية الإعلام المدرسي والمهني والجامعي؟ وما هي أدوارها؟ وما هي العلاقات والترابطات التي تجمع بينها؟
¨ وما موقع ومسئولية المستشار في التوجيه التربوي ضمن عملية الإعلام المدرسي والمهني والجامعي؟
¨ وما هي الاختلالات التقنية والإدارية والتربوية التي قد تطال عملية الإعلام المدرسي والمهني والجامعي؟
¨ وكيف يمكن معالجة هذه الاختلالات لضمان مصداقية الإعلام المدرسي والمهني والجامعي؟
تبدو الإشكالية المطروحة إذن مركبة الأجزاء ومتعددة الأبعاد ، سنحاول مناولتها، قدر المستطاع، من مختلف جوانبها التقنية والإدارية والتربوية ووقعها على كل من المستشار في التوجيه التربوي والشركاء التربويين والتلاميذ والطلبة، كل حسب أدواره وموقعه، مع تقديم بعض الخلاصات والمقترحات المتواضعة من أجل الإسهام في تطوير وتحسين عملية الإعلام المدرسي والمهني، وذلك من خلال الفقرات المحددة أسفله.
وقبل ذلك، وحيث الإعلام يندرج ضمن عملية التواصل، التي ترتكز على مجموعة من المكونات والعناصر تضطلع بوظائف وأدوار خاصة حسب مواقعها: المرسل والرسالة والمرسل إليه، فإن عملية الإعلام تنبني على المكونات التالية: مصدر أو مصادر الإعلام- مضمون الإعلام - متلقي الإعلام.
I. المكونات المادية والبشرية المتدخلة في عملية الإعلام المدرسي والمهني والجامعي، أدوارها، والعلاقات والترابطات التي تجمع بينها، وموقع المستشار في التوجيه التربوي ضمن هذه المكونات:
من المعلوم أن المعلومات الإدارية والتربوية والتقنية ترد على المستشار في التوجيه التربوي من مصادرها الأصلية، فينقلها إلى مختلف المتلقين، وهكذا يتبين أن عملية الإعلام المدرسي والمهني والجامعي تندرج ضمن عملية تواصلية غير بسيطة، تتكون من مصادر متنوعة، وطنية، جهوية، وإقليمية، متمثلة في وزارة التربية الوطنية ووزارة التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي ووزارات وقطاعات مختلفة مشرفة على مدارس ومعاهد ومراكز تكوين الأطر ومتمثلة كذلك في الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين ونيابة وزارة التربية الوطنية وغيرها.... فالمستشار في التوجيه التربوي، يحتل إذن موقعا متعدد الأدوار والوظائف، يتلقى المعلومة من مصادر مختلفة ومتعددة عبر وسائل ورقية وإلكترونية ، ثم يرسل المعلومة إلى المتلقي الذي يتشكل من مختلف الشركاء التربويين أي ذوي الصلة بالمستشار في التوجيه التربوي من تلاميذ وأولياء أمورهم والأطر الإدارية والتربوية، فيقوم إذن بدور ناقل المعلومة أي يشكل قناة الرسالة. يتبين إذن أن المستشار في التوجيه التربوي يلعب في ذات الآن دورا مزدوجا: يستقبل المعلومة ويرسلها، ليصبح مصدرا ثانويا بعد المصادر الرئيسية الأصلية المنتجة والمرسلة للمعلومة، كما يعتبر القناة الحاملة للرسالة الإعلامية التي ينقلها إلى المتلقين، ليؤدي ثلاث وظائف أساسية، ضمن سلسلة التواصل الإعلامي: وظيفة انفعالية باعتباره مرسلا للرسالة الإعلامية، وظيفة مرجعية باعتباره مرجع الرسالة الإعلامية ومحتوياتها ووظيفة اتصالية باعتباره القائم بالاتصال بمختلف المتلقين لتبليغهم مختلف المعلومات حول مختلف المجالات التربوية والمدرسية والإدارية والتقنية.
فما هي مسؤوليات المستشار في التوجيه التربوي، انطلاقا من موقعه ضمن السلسة الإعلامية، وهو يؤدي هذه الوظائف في تواصله مع مختلف المتلقين للرسالة الإعلامية؟
حيث إن عملية الإعلام المدرسي والمهني والجامعي تتوخى تحقيق مجموعة من الأهداف، منها:
¨ أهداف معرفية من خلال تبصير المتعلمين وتزويدهم بمجموعة من المعلومات الخاصة بوسطهم السوسيوثقافي والاقتصادي، وتيسير تكوينهم ونقلهم إلى الحياة العملية، حسب ميولاتهم واهتماماتهم ورغباتهم الشخصية الدراسية والمهنية؛
¨ أهداف تربوية وتتجلى في التربية على القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة والمعاملات الحسنة، والتربية على الاختيار واتخاذ القرار، من أجل إعدادهم ليكونوا أفرادا متحررين في التعبير عن آرائهم، ويكونوا مواطنين صالحين لأنفسهم وللمجتمع؛
¨ أهداف سلوكية متمثلة في إعداد المتعلمين للتعبير عن آرائهم بحرية من أجل قيامهم باختيارات واعية واتخاذهم قرارات ملائمة لمميزاتهم الشخصية وقدراتهم المعرفية والجسمية؛
من هنا يمكن الجزم إذن أن الإعلام في مجال التوجيه التربوي يسعى إلى تمكين التلاميذ من إعطاء معنى لحياتهم بتعريفهم بذواتهم وإكسابهم سلوكيات ومهارات تضمن لهم التكفل بأنفسهم بخصوص توجيههم الدراسي والمهني.
وحتى تتحقق هذه الأهداف، وتتسم عملية الإعلام المدرسي والمهني والجامعي بفعالية ونجاعة، فإنه يقتضى أن تتوفر في المستشار في التوجيه التربوي الكفاءات والمميزات والخصائص التالية:
· تحري الدقة: التأكد من المصدر المنتج والمرسل للمعلومة والتأكد من مضامينها وأهدافها والمرسل إليه؛
· الوضوح والتبسيط: استعمال مفردات ومصطلحات القاموس اللغوي للمتلقين للرسالة الإعلامية من أجل تسهيل الفهم والاستيعاب لديهم حتى يتمكنوا من اتخاذ القرارات الصائبة؛
· التحيين والملاءمة: تعديل المضمون الإعلامي ونقله إلى المتلقين في الوقت المناسب دون إزاحته عن الأهداف المنتظرة منه، مع العمل على انتقاء المصطلحات والمعلومات المناسبة للقدرات المعرفية للمتعلمين والمتلقين عموما، والمستجيبة لتطلعاتهم ومشاريعهم الشخصية؛
· الموضوعية والمصداقية: اتخاذ الحيطة والحذر والتحلي بالأمانة في التعامل مع المعلومات ونقلها من مصادرها دون تحريف لدلالاتها ومعانيها، وذلك لتفادي التأثير السلبي على التلاميذ من أجل إدراكهم لواقعهم وحقائق مختلف الدراسات والتكوينات المتاحة لهم؛
· الصدق والأمانة: الحفاظ على المضمون الإعلامي الأصلي ونقل المعلومة بحياد تام دون تأثير ولا تأثر وباعتماد طرائق تربوية ووسائل ناجعة؛
II. معوقات قد تطال عملية الإعلام المدرسي والمهني والجامعي:
يقصد بهذه المعوقات العوامل المشوشة والموانع المؤثرة على المكونات المادية والبشرية للعملية الإعلامية من مصادر وقنوات ومتلقين، يمكن إجمالها في يلي:
1. فعالية مصادر المعلومات:
من المعلوم أن مصادر المعلومات تتعدد بتعدد المؤسسات المشرفة على قطاع التربية والتكوين والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي والمؤسسات التكوينية التابعة لمختلف القطاعات المكونة، ومن المعلوم أنه خلال السنة الدراسية وعلى الخصوص خلال الأسدس الثاني يرد كم هائل من المعلومات على أطر التوجيه التربوي، انطلاقا من هذه المصادر. وقد تؤثر مجموعة من المعوقات المشوشة على مصادر المعلومات وتنعكس، بالتالي، على مختلف عناصر التواصل ونقل المعلومات، وذلك من قبيل:
· مدى التزام مصادر المعلومات بعنصر الزمان، حيث كل تأخر عن المواعيد المحددة لمختلف العمليات تؤثر سلبا على جميع عناصر السلسلة التواصلية، وخصوصا منها المتلقي حيث هو المعني في نهاية المطاف؛
· مدى التنسيق بين مختلف مصادر المعلومات لتجنب الضغط على كل العناصر الناقلة للمعلومات والمتلقين لها، حيث تراكم المعلومات وضخامة حجمها، في ذات الآن، من شأنه إحداث اضطرابات نفسية على مستوى التبليغ والتلقي، فتختلط الأمور خصوصا لدى الأطراف المتلقية، ويعسر استغلال واستثمار المعلومات بالشكل المطلوب؛
· مدى اتسام المضامين الإعلامية بالدقة والوضوح والقصد، حيث كل لبس في المفردات والمصطلحات والتراكيب المستعملة قد يؤدي إلى زيغان المعلومة عن مسارها الطبيعي، وبالتالي عدم تحقيق الأهداف المنتظرة منها؛
2. فعالية الوسائل الناقلة للمعلومات:
وتتجلى الوسائل الناقلة للمعلومات في عملية الإعلام المدرسي والمهني، في عناصر بشرية ودعائم إعلامية، وتسمى عادة قناة الرسالة الإعلامية، التي يندرج ضمنها، المستشار في التوجيه التربوي وكل الوسائط الورقية منها والإلكترونية، التي يمكن أن تطالها مجموعة من العوائق قد تؤثر في مدى استيعاب المتلقين للمعلومات المنقولة، ومن هذه المعوقات ما يلي:
· مدى كفاءة المستشار في التوجيه التربوي في استيعاب مختلف المضامين الإعلامية والتعامل معها وكيفية تبليغها إلى المتلقين، باعتماد مصطلحات ومفردات سائدة في صفوف المتلقين ومفهومة من طرفهم وفق مستوياتهم الدراسية وواقعهم الاجتماعي والثقافي؛
· مدى اتسام المستشار في التوجيه التربوي بالاستقرار النفسي وتوازن شخصيته أمام المتلقين وتجرده وعدم انسياقه وراء الانفعال والتأثر ببعض الوضعيات التي قد تسير بعملية الإعلام المدرسي والمهني إلى عكس ما هو منتظر منها؛
· مدى وضوح المضمون الإعلامي وكتابته بخط واضح ومقروء باستعمال مصطلحات ومفردات مألوفة من طرف المتلقين وممتوحة من وسطهم المدرسي والتكويني؛
· مدى فعالية الوسائل الإلكترونية المستعملة من أقراص مضغوطة، ومواقع على الشبكة العنكبوتية، والعارض الرقمي وغيره؛
3. مصداقية المعلومات:
وتتجلى المعلومات المنقولة إلى المتلقين بخصوص عملية الإعلامي المدرسي والمهني، بطبيعة الحال، في كل ما هو مدرسي ومهني وجامعي، وترتبط بالشعب الدراسية والتخصصات المهنية والمسالك الجامعية والتكوينية بمختلف الأسلاك الدراسية والجامعية والتكوينية. وحتى يكون لهذه المعلومات وقع إيجابي على المتلقين وتحقق فعلا الأهداف المسطرة لها، فإنها يجب أن تتسم بالمصداقية وتنال ثقة المتلقين وتمنحهم اختيارات واقعية وتساعدهم فعلا على اتخاذ قرارات واعية تمكنهم من تحقيق الأهداف التي يرسمونها لأنفسهم ضمن مشاريعهم الشخصية والمهنية. لهذا يجب أن تكون هذه المعلومات واضحة لا يعلوها أي لبس أو غموض قد يفقدها قيمتها التربوية والمدرسية والتكوينية.
III. مقترحات لتجاوز هذه المعوقات لضمان نجاعة وفعالية الإعلام المدرسي والمهني والجامعي:
1) تفعيل أدوار الوكالة الوطنية للإعلام والتوجيه، توكل إليها من بين مهامها، السهر على إنتاج مختلف الدعائم الإعلامية، كمصدر وحيد وبشكل موحد، وذلك بتنسيق مع مختلف المؤسسات المدرسية والجامعية والتكوينية، وإصدار هذه الدعائم مع بداية السنة الدراسية باعتماد أساليب لغوية هادفة ووضعها رهن إشارة جميع الفاعلين التربويين وعلى رأسهم أطر التوجيه التربوي؛
2) إحداث البوابة الوطنية للإعلام والتوجيه تضم مختلف مصادر المعلومات الإلكترونية وتوحيدها في شباك وحيد وموحد، تسهر على بث المعلومات المرتبطة بالشعب المدرسية والتخصصات المهنية والمسالك والتكوينات الجامعية وذلك منذ انطلاق السنة الدراسية، وباعتماد لغة مبسطة ومفهومة وفي متناول جميع المتلقين من تلاميذ وطلاب ومختلف الفاعلين والشركاء التربويين؛
3) تمكين أطر التوجيه التربوي من تقنيات الإعلام والتواصل الشفوي والمكتوب والمرئي والإلكتروني، عن طريق التكوين وتنظيم دورات تكوينية كلما دعت الضرورة لذلك، وكلما جد مستجد في ميدان الإعلام والتواصل في المجال التربوي والتكويني؛
إرسال تعليق