صنف التقرير الدولي لعام 2012 حول اختبارات دراسة التقدم في القراءة تلاميذ المغرب في ذيل الترتيب العالمي، ورتبتهم دراسة دولية صادرة عن كلية بوسطن الأمريكية الأسوأ في الرياضيات والأواخر في العلوم على المستوى العالمي. وخلصت الدراسة إلى أن تلاميذ المغرب سجلوا أسوأ أداء في القراءة وصنفوا إلى جانب تلاميذ اليمن في ذيل الترتيب على مستوى التحصيل في الرياضيات، كما احتلوا كذلك المرتبة الأخيرة إلى جانب اليمن كذلك وتونس على مستوى العلوم. ، وأوضحت دراستان تدعمهما كلية بوسطن الأميركية أن دول آسيا الغنية نسبيا ومنها كوريا الجنوبية وسنغافورة وهونغ كونغ تصدرت ترتيب التحصيل العلمي للطلاب على المستوى الدولي، وهي النتيجة التي قال الباحثون إنها ترجع إلى التزام مجتمعي قوي بالتعليم الابتدائي، وتصدرت الدول نفسها الأداء في الرياضيات والعلوم وتقدمت في القراءة، ويجب أن نسأل أنفسنا لماذا نجح هؤلاء فيما فشلنا نحن..؟! وهل المشكلة أنهم أكثر ولاء وإخلاصا وحبا لأوطانهم..؟ أو أن المشكلة في جيناتنا..؟!
إن دولة مثل كوريا التي تصدرت ترتيب التحصيل العلمي على مستوى العالم، يزيد عدد طلابها على 11 مليون شخص من جميع الأعمار، هذا فضلا عن أعضاء الهيئة التدريسية حيث يتجاوز عدد المشتركين في العملية التعليمية برمتها أكثر من ثلث سكان كوريا التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 48 مليونا، ويتعلم الطلبة الكوريون وفق مناهج دراسية تنمي لديهم السلوك الحياتي المفيد، ويعلّم المنهج الدراسي التلاميذ في المرحلة الابتدائية موادا دراسية تكوّن الطالب وتعدّه لتحمل المسؤولية وتركّز على الجوانب الخُلقية كالأمانة، والتربية من أجل الحياة ذات المعنى، والرياضة والصناعة إضافة إلى النشاطات اللا صفية، مع تعليم اللغة والحساب والدراسات الاجتماعية، وهذه المناهج بهذه الطريقة تعمل على بناء الشخصية وبناء الذات القادرة على العطاء المتميز في الحياة، وهذه المناهج يتم دراستها خلال عام دراسي تصل أيامه في حدِّها الأدنى إلى 220 يوماً، عكس ما يحدث عندنا إذ أن السنة الدراسية لا تتعدى 160 يوما في حدّها الأعلى.
إن المبدأ المطبق في كوريا هو ” ليس لدينا سوى الإنسان والمدرسة، والمدرسةُ هي الاستثمار الأول الذي ينتج لنا الثروة البشرية، وهذه الثروة في المسؤولة عن تحقيق معجزة التنمية والتقدم” أي أن هذا الشعار هو شعار فعلي يطبق على الواقع ولا يرفع عبر وسائل الإعلام في كل حين ووقت “للإستهلاك الإعلامي أو المحلي” كما يقال في المغرب، لذا فإن التعليم في كوريا يغطي مساحة الشعب كله، هذا يعني إحداث ثورة في برامج التعليم وثورة في فلسفته، وتحقق لهم ما خططوا له، واليوم نجد أن نسبة التعليم في كوريا زادت عن 96%، ونسبة الأمية 4%، حسب إحصائيات قديمة نوعا ما، وهذا يتقدم على نسبة التعليم في أمريكا؟!
والنظام التربوي في كوريا الجنوبية نظام حديث يهتم بصورة فعّالة بإكساب المهارات وتعزيز القدرات الأساسية، ويهتم بالتطوير النوعي للتربية العلمية، ويضع الثقافة الحديثة المتطورة نصب عينيه، وهو يشارك بدور كبير في عمليات التنمية من خلال بناء الإنسان الواعي المبدع والملتزم بالعمل والأخلاق، ويقف النظام التربوي بكل قوة ليعزز مكانة التربية والتعليم، فيهتم منذ مرحلة رياض الأطفال بتربية الأطفال وبناء أجسامهم وتنمية لغتهم وذكائهم وغرس قيم التكيف الاجتماعي في نفوسهم وسلوكهم، والمرحلة الابتدائية في كوريا مرحلة إجبارية للجميع، ثم تأتي المرحلة الثانوية لتكون إجبارية في بعض المناطق وخاصة مناطق صيد الأسماك والمناطق الزراعية.
إن التعليم في كوريا الجنوبية – حسب التقارير المنشورة – يقف وراء تطويره جهاز متخصص هو المعهد الكوري للتطوير التربوي الذي جاء معبِّراً عما يحظى به التعليم من مكانة اجتماعية واهتمام من الجميع في كوريا الجنوبية، تلك المكانة التي تترجمها ميزانية الدولة حيث يحظى التعليم بأكثر من 21% من الموازنة العامة، كما تترجمها توجهات المسؤولين في تحقيق مبدأ عدم المركزية للمؤسسات القائمة على التعليم بما يتناسب واتخاذ القرارات التربوية الملائمة.
وقد تمكنت كوريا الجنوبية بالاعتماد على رأسمالها البشري من خلال تأهيلهم وتدريبهم، من بناء اقتصادها وتحقيق التنمية حتى أصبحت الآن تنافس أمريكا واليابان والدول الأوروبية في الإنتاج.
إرسال تعليق