منذ عقود والمغرب يبحث عن الإصلاح، وكم من مسؤول جاء وغادر والحال على حاله، إن لم نقل أن الأمور تتعقد يوما بعد آخر، وكل المؤشرات تؤكد هذه الأطروحة، بل هذه القناعة. فما هي يا ترى أكبر وأهم تجليات هذه الخلاصات؟
إن النظام التعليمي المغربي في شكله الحالي يتكون من ابتدائي من 6 سنوات وتعليم ثانوي إعدادي من 3 سنوات وتعليم ثانوي تأهيلي من 3 سنوات وتعليم عال من سنتين حتى ثمان سنوات.
قبل هذا كان التعليم الابتدائي 5 سنوات والإعدادي 4 سنوات. وفي حقيقة الأمر، هنا بداية الخطأ، لأن استفادة التلميذ من سنة في الإعدادي، تكون أفضل بكثير من استفادته منها في الابتدائي، لأن في الإعدادي يتعامل التلميذ مع الأستاذ المتخصص في مادة دون غيرها. أما في الابتدائي فهناك مدرس واحد يتكلف بمواد عدة وقد يكون مكلفا بمادة لم يدرسها هو بشكل سليم، أو مستواه فيها غير مناسب، وذلك حسب مساره الدراسي.
في هذا الموضوع سنركز على المردودية الداخلية، أي مستوى التحصيل عند التلاميذ ومدى تمكنهم من اكتساب المهارات والملكات والكفايات المرسومة والمبرمجة في كل مستوى على حدة من مستويات النظام التعليمي المغربي. هناك أيضا تعدد الكتب المقررة، الشيء الذي أعطى نوعا من البلبلة لدى جميع الفاعلين في الحقل التربوي، وعلى كل المستويات، بما فيها التقييم. كما أن تدريس اللغات عندنا سيء، وهذا يتجلى بوضوح في نتائج التلاميذ عند المحطات الإشهادية، سواء في السنة السادسة أو الامتحان الجهوي للثالثة إعدادي أو الأولى بكالوريا. فالجهوي في الأولى بكالوريا مخيف للتلاميذ، النقط متدنية جدا، وفي كل سنة مئات النقط تقارب الصفر في مادة اللغة الفرنسية، أما الانجليزية فرغم المجهودات التي بذلت وانطلاق تعلمها منذ الإعدادي، فليست نتائجها أحسن حال من سابقتها. ومن بين أسباب ذلك قلة الموارد البشرية وطرق تدريسها. السؤال الكبير العريض هو : ما هي الأسباب الحقيقية لكل هذا؟
للجواب على هذا السؤال، لا بد من استحضار كل الأبعاد التي يمكنها أن تعطي ولو بصيصا من الأمل. هذه الأبعاد تدخل ضمن:
1- البعد البشري؛
2- البعد المادي؛
3- البعد البيداغوجي؛
4- البعد الاجتماعي.
2- البعد المادي؛
3- البعد البيداغوجي؛
4- البعد الاجتماعي.
1- البعد البشري:
هذا البعد حاضر بقوة، ابتداء من المسؤول الأول إلى آخر عنصر عامل في المجال التربوي، وحقيقة الأمر أن مجال التربية والتعليم مجال معقد جدا، لأننا أمام الكائن البشري، لما له من خصوصية على كل المجالات، من المجال النفسي والمجال العاطفي والمجال المعرفي والمجال السلوكي ومجال الانتظارات من المدرسة. ومهما حاولنا حصر العوامل المتدخلة لابد من عوامل تبقى خارج مجال التأطير. وكل مسؤول جديد لا بد له من وقت لفهم مشاكل القطاع، ولهذا فأي مسؤول حل، إلا ويحتفظ بالطاقم الذي كان مع من سبقه (ولو الى حين). والأمر أنه لابد من تغيير هذه النظرة. ومن أجل ذلك، لا بد من أن تأتي الحلول من القاعدة، أي من ذلك المدرس المعزول في مكان ما. فهو الذي يعرف المشكل بشكل فعلي وليس بشكل افتراضي.
إن اعتماد الإصلاحات على أساس مكاتب الدراسات عملية غير صالحة. لأن هؤلاء يأخذون الأمر كموضوع للبحث، فيضعون الفرضيات، وعلى ضوئها يتصورون الحلول، بعيدا عن الواقع. ويبقى كل الجهد كبحث أكاديمي. والصواب هو تجميع الاقتراحات التي تأتي من القاعدة، أي من المدرسين بالأساس وتبويبها على شكل تيمات، وتكلف عدة نيابات بتيمة معينة، وترسل الخطط المقترحة لكل تيمة إلى المركز على أساس تكوين لجن من الفاعلين في الميدان من ذوي الكفاءة. ونركز هنا على المدرسين بالأساس، حتى يمكن لأي إصلاح أن يدخل إلى القسم، لان كل الإصلاحات السابقة وقفت عند بابه (كما جاء على لسان أحد المسؤولين السابقين).
2- البعد المادي:
بعد البرنامج الاستعجالي، تبين بالملموس أن المادة ليست كل شيء، كثير من الأموال أهدرت، ونجح البرنامج الاستعجالي في أمر مهم وهو تطوير البنيات المادية أي بناء مؤسسات جديدة وداخليات وتجديد مؤسسات قديمة، وأيضا دعم التمدرس. وفشل البرنامج الاستعجالي يعود إلى بناء مشاريع كثيرة وتمريرها في نفس الوقت. والمنفذ الأساس هو المؤسسة التعليمية التي صعب عليها حقا التعامل مع مجموعة من الإصلاحات في آن واحد. والصواب، هو تدرج البرامج على مدد زمنية كافية للتثبيت.
3- البعد البيداغوجي :
نعتقد أن هذا البعد هو أساس المشكل عندنا وأن الأصل فيه هو المدرسة الابتدائية. لقد حان الوقت للابتعاد عن النمطية المتبعة منذ سنين وأن يأخذ المسؤول الأول القرار بإصلاح التعليم الابتدائي. أما الإعدادي والتأهيلي فمشاكلهما مرتبطة بتدني مستوى التلاميذ في المعارف الأساسية والتي هي اللغات والرياضيات منذ الابتدائي.
- التعليم الابتدائي:
إن إصلاح التعليم الابتدائي يعتمد على تصورين اثنين:
- الأول بدون كلفة مالية، ونعني بذلك الاحتفاظ بنفس تقسيم مدرسي الابتدائي، أي لغة فرنسية وتوابعها، واللغة العربية وتوابعها، مع مراجعة شاملة للبرامج والمواد والمقررات.
- الثاني مقابل كلفة مادية وبشرية، وهو العمل بمبدأ التخصص في التعليم الابتدائي. وهذا معمول به نوعا ما في التعليم الخصوصي ويعطي نتائج إيجابية، والذي يتجلى في تخصيص مدرس للغة العربية وتوابعها، وأستاذ للغة الفرنسية، ومدرس للرياضيات والعلوم. هذا لا يكفي بطيعة الحال، بل لا بد من تصور جديد من مبادئه الأساسية جعل محفظة التلميذ خفيفة إلى حد كبير، مقارنة مع ما هو عليه الحال الآن.
إن المسار الدراسي طويل، وبالتالي لا نستعجل إدخال مواد التفتح منذ اللحظة الأولى والتلميذ لا يستوعبها، وتأخذ من وقت تعلمه اللغات والرياضيات وهي أساس كل التعلمات المقبلة. ونستحضر هنا النظام الفنلندي الأول على الصعيد الأوروبي، إذ التلميذ لا يلتحق بالمدرسة حتى سن سبع سنوات، كأنهم يطبقون ما قاله الرسول الأعظم علموهم لسبع. وبناء على هذه الحيثيات كلها، يمكن تقسيم التعليم الابتدائي إلى مرحلتين كل واحدة من ثلاث سنوات:
1- مرحلة التعليم الأساس وتشمل الأول والثاني والثالث ابتدائي.
2- مرحلة التفتح وتشمل الرابع والخامس والسادس ابتدائي.
في مرحلة التعليم الأساس، نركز على تعلم القراءة والكتابة والحساب والقرآن، مع الاهتمام بالأخص بالتعبير الشفوي (بنسبة لا تقل عن 50 في المائة). لأن تجليات الابتعاد عن الشفوي، وهو ما كان يطلق عليه في السبعينات بالمحادثة، سواء في اللغة العربية أو الفرنسية، هو أننا لنا لسان ثقيل في التعبير الشفوي، وحان الوقت لتنمية ملكة التعبير والتحدث بطلاقة. كما يجب أن تتميز هذه المرحلة بنصوص بسيطة هادفة وقصيرة، هنا نستحضر "اقرأ" للمرحوم احمد بوكماخ، والشاهد عندنا هو كثير من الجيل السابق الذي لا زال يحفظ عن ظهر قلب نصوصا من هذا العمل الرائع.
أما في مرحلة التفتح، فيتم إدخال مواد التاريخ والجغرافية والعلوم والتربية الإسلامية، بالإضافة للغات والرياضيات.
- التعليم الثانوي، الإعدادي والتأهيلي:
المشكل في الإعدادي هو تقليص حصص الرياضيات واللغة العربية واللغة والفرنسية، زيادة على الكم في الدروس المقررة والتي لا تعطي مجالا للتمكن منها، ويبقى الأستاذ يسارع الزمن لاستكمال المقرر على حساب أهم شيء في العملية التعليمية التعلمية وهو الاستيعاب. وعليه، فلا بد من تقليص المقررات وتقليص النصوص القرائية ودمج حصص للدعم لتكون إجبارية بمعدل حصتين على الأقل في الشهر، إن لم يكن أكثر .
في التعليم الثانوي التأهيلي، هناك مشكل الهندسة البيداغوجية المتبعة حاليا والتي ظهر عليها بعض القصور أو لنقل بعض الخلل. فعلى مستوى الجذوع المشتركة، نجد غياب الجذع التقني التجاري، هذا الجذع كان ناجحا في النظام القديم، وبالتالي لا داعي لحذف ما هو صالح. لأن التلاميذ العلميين الذين لهم مشروع التوجه للاقتصاد والتدبير يخلقون مشاكل عدة لأساتذة الفيزياء ،لعلمهم أنها مرحلة وستمر،ويمكن التفكير في إحداث شعبة الهندسة المعلوماتية لأن مستوى بعض التلاميذ في الإعلاميات جيد ولهذا علينا فتح المجال لهم منذ الثانوي لتنمية قدراتهم على أساس أن يكون البرنامج ذا قيمة ويمكن الاستئناس بمقررات التكوين المهني في هذا المجال . ومن الأحسن حذف الفلسفة من الجذع المشترك. لأن الفلسفة تتطلب الفكر التجريدي، وفي هذه المرحلة وحسب المعاينة فإن التلاميذ لا زال ينقصهم هذا الفكر وينقصهم الاهتمام والتركيز بالفلسفة، مع مراجعة طريقة تدريسها في الأولى والثانية بكالوريا بحيث تكون أكثر تفاعلية وفيها نقاش وتبادل الآراء ما بين تلميذ –تلميذ والأستاذ وما نعيشه هو أن كل أستاذ له طريقته الخاصة به مع الابتعاد عن الكم لأنه لا يترك مجالا للتفكير والمناقشة .
- مسألة التوجيه:
كثيرا ما يتهم التوجيه بفشل التلاميذ في مسارهم الدراسي. ولكن هذا الاتهام باطل، وحقيقة فشل هؤلاء التلاميذ هو مستواهم الدراسي في المواد الأساس. ولتفسير هذا نأخذ نتائج التوجيه لنيابة الصخيرات-تمارة برسم الموسم الدراسي 2012/2013، فعدد الذين توجهوا إلى الجذع العلمي بمعدل يقل عن 10 من 20 هو 505 من مجموع 3361، أي بنسبة 15 في المائة.
أما الجذع الأدبي، فنجد 1108 من أصل 1943، بنسبة 57 في المائة، وهذا ما يفسر نسبة تدني نسبة نجاح الأدبيين في البكالوريا، والذين يحصلون على البكالوريا منهم يكون مستواهم متذبذب. وهذا ما يفسر أيضا تعثر الكثير منهم في التعليم الجامعي. ويتهم التوجيه وهو بريء من كل هذا. لأن توجههم نحو الآداب ليس بعامل الرغبة بقدر ما هو بسبب ضعفهم.
ومن خلال نفس الإحصائيات، نجد 1227 تلميذا وتلميذة فصلوا عن الدراسة لعدم قدرتهم على الحصول على معدل عام في الثالثة إعدادي يعادل 9 من 20 وهي العتبة التي أعتمدت برسم هذا الموسم ، بعد محاولتين على الأقل. لأننا نجد البعض منهم قد قضى في هذا المستوى 3 سنوات متتالية، لسبب وحيد هو ضعف مستواهم الدراسي. وبالتالي فهذه الفئة هي خارج عملية التوجيه. ولكي تدخل إليه، علينا خلق جسور مباشرة مع التكوين المهني، ونحن نستبشر خيرا بإلحاقه بوزارة التربية الوطنية رغم أن هذا كان مؤملا به منذ زمن بعيد. حقيقة الأمر ، هذا غير ممكن في وقتنا الراهن. ولتحقيقه يتطلب بناء ثانوية للتكوين المهني على صعيد كل نيابة. صحيح ، في بعض الحالات يمكن أن يكون التوجيه سببا في هذا الفشل. لكن، هذا يقع عند فئة من التلاميذ يكون مستواهم ما بين المستحسن والحسن جدا. وما نعنيه بهذا، هو إلحاح بعض الآباء في توجيه أبنائهم إلى العلوم الرياضية، رغم ما يحمله هذا القرار من مخاطر . وتفشل نسبة من هؤلاء التلاميذ في هذه الشعبة، سواء مسلك العلوم الرياضية --أ أو -ب-. والفشل هنا له عدة أوجه، إما الحصول على البكالوريا بمعدل منخفض، أو عدم القبول في الأقسام التحضيرية، أو القبول في الأقسام التحضيرية والفشل فيها، وتضيع البوصلة عند هذه الفئة من التلاميذ تماما. لأن المشروع الشخصي أو لنقل العائلي قد أصابه التصدع.وقد يفشل أيضا طلبة علميين يختارون تخصصات في التعليم العالي باللغة العربية هروبا من الفرنسية .
4- البعد الاجتماعي:
ترسخ لدى كثير من المغاربة، على أن المدرسة بصفة عامة لم تبق وسيلة للترقي الاجتماعي، فانتشر لدى كثير من الأولياء عدم الاهتمام بأولادهم واختفت من مخيلتهم هالة الاحترام التي كانت لها، وبالتالي لابد من تغيير هذه النظرة النمطية لتصبح المدرسة كالمسجد، لها مكانتها المحفوظة. ونجد من جهة أخرى فئة تؤمن كثيرا بقيمة المدرسة وتستثمر في أبنائها وتقوم بتعليمهم في التعليم الخصوصي، مع إضافة حصص للدعم وبالأخص في مواد الامتحانات الإشهادية.
أخيرا، نقدم لهيئة التدريس بالأقسام على مختلف مستوياتهم أكبر تقدير على ما يقومون به. لأن العمل مع 40 تلميذا وتلميذة لمدة ساعة، أصعب بكثير من العمل في مكتب مع ملفات جامدة لا رد فعل لديها طيلة يوم كامل وهذا بدون مبالغة لأن الإكتضاض من جهة وردود أفعال التلاميذ العنيفة في كثير من الأحيان تجعل الأستاذ في موقع صعب .
إرسال تعليق