ردا على نقابة مفتشي التعليم: توحيد تكوين المفتشين ليس هو المدخل لإصلاح مهنة التفتيش
بقلم: مصطفى السعيدي*
صدر عن المكتب الوطني لنقابة مفتشي التعليم بلاغ حول اللقاء الذي عقده يوم 09 يونيو 2013، وقد كان من بين ما انتهى إليه البلاغ ما ورد في النقطة الثانية التي تفيد بأن المكتب "يثمن فكرة توحيد مركز تكوين المفتشين، ..." والمقصود هو إحداث المركز الوطني لمفتشي التعليم الذي سيتكلف بتكوين مفتشي التعليم بجميع التخصصات: أي المفتشين التربويين ومفتشي المصالح المادية والمالية الذين يتم تكوينهم حاليا بمركز تكوين المفتشين إضافة إلى مفتشي التوجيه ومفتشي التخطيط الذين يتم تكوينهم حاليا بمركز التوجيه والتخطيط التربوي. وفي هذا السياق نود أن نسائل موقف نقابة مفتشي التعليم هذا، ومن خلاله مناقشة أسباب وضرورات التوحيد. وعليه نقول:
إن اعتبار هيئة التفتيش واحدة لا يعني بالضرورة أن تكون مكونات ومسارات التكوين موحدة، بل على العكس، يعتبر تعميق التخصص مطلبا أساسيا من أجل تجويد عملية المراقبة والتأطير والارتقاء بها، وذلك بالنظر إلى اتساع مجال تدخل التفتيش بمختلف تخصصاته والتي تشمل جميع مكونات المنظومة التربوية.
ومن جهة أخرى فإن اختلاف مدخلات التكوين بين مختلف التخصصات، سيجعل من هذا منه في حال توحيده مغرقا في العموميات والجوانب الأكاديمية أكثر من أن يكون تكوينا مهنيا يؤهل لممارسة جيدة تمكن هيئة التفتيش من الاضطلاع بأدوارها الحيوية داخل المنظومة.
ويكفي في هذا الصدد النظر إلى مسارات تكوين المفتشين باختلاف التخصصات: فبالنسبة للتفتيش التربوي فالتكوين الذي يدوم لمدة سنتين يتطلب من المتدرب أن يكون أستاذا بأحد الأسلاك الثلاثة، في حين أنه بالنسبة للتفتيش في التخطيط أو التوجيه فهو موجه للمستشارين الذين سبق لهم أن استفادوا من سنتي التكوين التي يمكن أن يلجه أساتذة الثانوي الإعدادي؛ من خلال هذا التباين في المسار، الذي تقتضيه طبيعة التخصص والمهام، يتبين أن اللجوء إلى اعتماد جدع مشترك سيؤثر سلبا على جودة التكوين خاصة بالنسبة للتوجيه والتخطيط التربوي، ولن يتعدى هذا التكوين المزمع مستوى تكوين المستشارين الذي يؤمنه مركز التوجيه والتخطيط التربوي.
وهكذا فعندما تقترح الوزارة اللجوء إلى جدع مشترك خلال التكوين تليها سنة للتخصص، يحق لنا التساؤل عن ضرورة هذا الاجراء والأهداف من ورائه، فإذا كان المقصود هو توحيد الهيئة من حيث الممارسة والتكوين لماذا سيتم اللجوء إلى التخصص خلال السنة الثانية؟ أما إذا كان هناك وعي بأهمية التخصص – وهو الأرجح على ما يبدو- فإن السؤال ينصب حول دواعي إضاعة نصف المدة المخصصة للتكوين في المضامين المشتركة بينها والتي لن ترفع من مستوى الأطر التي سيتم تكوينها، وسيكون لها أثر سلبي مباشر على مستوى التمكن من منهجية البحث العلمي.
إن ما ذهبت إليه نقابة مفتشي التعليم لا يتقاطع إلا مع تصور الوزارة في هذا الإطار، ولم يبلغ إلى علمي أن هيئة أخرى تبنت هذا الطرح، بل على العكس فقد لاقى هذا المشروع معارضة شديدة من قبل الهيئات الأخرى النقابية والجمعوية إضافة إلى أطر التوجيه والتخطيط التربوي. وفي هذا السياق لم نقف على تعليلات مقنعة سواء للوزارة أو النقابة حول دواعي اللجوء إلى مثل هذه الإجراءات، ولم تتجاوز هذه التبريرات مستوى الدعوة على مبدأ توحيد الهيئة وكذا ترشيد الموارد المستعملة في المركزين، وهو ما يشكل بالنسبة إلينا تبريرا ضعيفا لا يستقيم مع حجم النتائج السلبية لمثل هذا الاجراء الذي سيكون له آثار سليبة على مستوى التكوين التي سبقت الإشارة إليها.
إن توحيد مركزين للتكوين يقتضي أن يكون هناك تجانس في المهام والأدوار لهذين المركزين، والحال أن هذا الشرط غير قائم على اعتبار أن مركز تكوين المفتشين يختص بتكوين المفتشين التربويين ومفتشي المصالح المادية والمالية، أما مركز التوجيه والتخطيط التربوي فتتمثل مهمته الأساسية في تكوين المستشارين في التوجيه أو التخطيط التربوي، حيث أن هذا المركز قام بتخريج 2571 مستشارا مقابل 198 مفتشا فقط. وبالتالي فإن التوحيد سيؤدي إلى إيقاف تكوين المستشارين في ظل أهمية هذا الإطار في سيرورة تدبير المنظومة التربوية، وكذا الخصاص الكبير الملاحظ على هذا المستوى. كما أن الصيغة التي تم اقتراحها من أجل تنفيذ هذا المشروع تعتبر تذويبا لمركز التوجيه والتخطيط التربوي في مركز تكوين المفتشين مع استعمال بناية الأول، وليس توحيدا.
لعل ترشيد الموارد بالوزارة يجب أن يتم من خلال الاهتمام بالبنيات المكلفة بالتدبير والرفع من مردوديتها في ظل الأعداد الكبيرة للمديريات والوحدات المركزية التي تم تفريخها في السنين الأخيرة دون ظهور لآثار إيجابية لهذا الإجراء، وليس محاولة دمج قصري لمراكز التكوين وإن انتفت أسباب مثل هذا الإجراء،
إن للتفتيش في مجالي التوجيه والتخطيط التربويين خصوصياته كما للتفتيش التربوي خصوصياته ولتفتيش المصالح المادية والمالية خصوصياتها، والارتقاء بهذا المجال لا يكون إلا عن طريق تعميق التخصص في أفق الاضطلاع بالأدوار والمهام المنوطة بهذه الهيئة داخل المنظومة التربوية.
وقد دافعت النقابة في بيانها على بقاء مركز التوجيه والتخطيط التربوي من أجل تكوين المستشارين، وهنا نشير إلى التكوين بهذا المركز لا يستقيم إلا بوجود السلكين معا: استشارة وتفتيشا، وذلك بالنظر لدور التأطير والمواكبة الذي يقوم به المفتشين المتدربين وفي نفس الوقت هو تمرن لهم على مهامهم المستقبلية، كما ان الأمر ينطوي على ترشيد للموارد المادية والبشرية المستعملة مادامت هي نفسها المستعملة لتكوين مستشاري ومفتشي التوجيه والتخطيط التربوي.
لقد كان الهدف من طرح هذه المقالة هو إبراز وجهة نظر يتقاسمها الكثيرون في مقابل موقف نقابة مفتشي التعليم بخصوص هذا الموضوع، ننتظر من ورائه توضيح المواقف وفهم وجهة النظر الأخرى في إطار إسهام الجميع في بلورة تصور واضح لمسألة تكوين أطر وزارة التربية الوطنية، خاصة هيئة المراقبة والتأطير، في أفق تجاوز إحدى مواطن الخلل الكبيرة التي تعرفها المنظومة التربوية المغربية.
مصطفى السعيدي مفتش متدرب في التخطيط التربوي
المصدر: http://www.ahfir24.com
إرسال تعليق