تكون الطفولة المبكرة فترة حاسمة يحقق فيها الكبار التأهيل الاجتماعي للصغار وينقلون اليهم تراثهم الاجتماعي.
وعي الذات واتجاهاتها
يشدد الصغار وعيهم لذواتهم ويشكلون الكثير من الاتجاهات الجديدة نحوها وذلك نتيجة لضروب النضج العضوي والمعرفي. يبدي الصغار على الخصوص، وعياً متصاعداً بجسمهم، وتبرز لديهم مشاعر السيطرة على الأشياء وتقوى.
وعي الجسم
يتحقق للصغار خلال السنتين الأوليتين من الحياة وعي أنهم أشخاص متميزون ولهم جسم ترجع ملكيته رجوع ملكية الأذرع والسيقان، لهم، وذلك لقدرتهم على تحريك ذلك الجسم وتوجيه الحركة الوجهة التي يريدونها.
يدفع وعي اطفال ما قبل المدرسة بأنهم يمتلكون جسماً، لأن يتحسسوا التغيرات التي تحل بهم وغالباً ما يقلق الأطفال بين الثالثة والخامسة بحجومهم أو يفخرون بها وينتظرون، وبمنتهى اللهفة المناسبات لكي يزينوا أنفسهم أو يقيسوا أطوالهم. يعرف أطفال ما قبل المدرسة الفروق العضوية بين الجنسي، إذ يعرف ثلثا أبناء الثالثة أنهم إناث أو ذكور. وتشيع الألعاب المشبعة بالمضامين الجنسية في السنة الرابعة، ويسأل الكثير من أبناء الرابعة والخامسة أهلهم أسئلة حول الجنس.
والعادة أن يبدي الصغار قلقاً واضحاً للتلف الذي تتعرض له أجسامهم. فالصغار الذين يعرفون برباطة الجأش يخافون أن تنحطم لهم ظفر، أو سن، ويغالون في النتائج السيئة المترتبة على جروح بسيطة، لكن البنات أقل قلقاً من الصبيان في هذه الناحية.
تشكل ردود فعل الأهل الناجمة عن وعي أبنائهم لأجسامهم اتجاهات الأبناء من أنفسهم فتعمل سعادة الوالد بالتغيرات العضوية لدى ابنه على دفع الولد للشعور بالاعتزاز والثقة بذاته. وتتأكد الاتجاهات الايجابية للناشئ نحو ذاته أن عمد الأهل الى إجابة استفساراته الجنسية بوضوح ملائم لمستواه العقلي والمعرفي في تلك السن. من السهل على الأهل أن يدفعوا أبناءهم للإحساس بالبلاهة والتعاسة إن هم أنكروا الاهتمامات الطبيعية المتمثلة في أسئلة الناشئ أو سخروا منها. أما معاقبة الولد على أسئلته الجنسية التي تبدو جريئة في عين الراشد فتجر الولد الى تشكيل اتجاهات سلبية نحو ذاته.
الاحساس بالاتقان والسيطرة على الأشياء
يبدأ تكون إحساس الأطفال بالاتقان والسيطرة على الأشياء خلال مرحلة الرضاعة وذلك عبر إحساسهم باللذة المرافقة لشعورهم بالقدرة على توجيه المحيط من حولهم. فلقد لوحظ أن الطفل يبتسم أو حتى يضحك عند نجاحه في تحريك دميته. تدفع اللذة المرافقة للإحساس بالقدرة على توجيه الأشياء الطفل لتكوين المزيد من المهارات الجديدة في نفس الوقت الذي تعمل فيه على تكوين ذاتيه الوليد. إن ثمة الكثير من السبل التي يستطيع الأهل بواسطتها تشكيل محاولات الطفل لاتقان السيطرة على الأشياء. وقد أبانت أغلب الدراسات أن محاولات الطفل تشتد أن شجعه الأهل على ذلك أو ساعدوه أو مدحوا الاستقلال في سلوكه.
ولا يعاني الأطفال إحساساً دائماً مستمراً بالاتقان والسيطرة على الأشياء إلا في بداية سنوات ما قبل المدرسة، وذلك عندما يمكنهم نضجهم الإدراكي المعرفي من تمييز الفروق بين المهارات القديمة والراهنة. إذ تفيد القدرة على وضع معايير السلوك الصحيح للطفل في معاناة ما يسمى بالتحصيل أو الإنجاز. ويعمل الإنجاز بدوره على توليد مشاعر مستمرة من الاتقان والسيطرة إضافة الى إحساس أعم بالقدرة الذاتية.
يتسارع نمو هذا الجانب من الشخصية بين السنتين الثانية والخامسة، ويمكن النمو الإدراكي الحركي الأطفال خلال تلك السنوات من أداء الكثير من الأفعال التي تزيد من فرصهم في تجارب الاتقان والسيطرة. تساعد اللغة نفسها الطفل على اكتساب فكرة أفضل عن أثره في محيطه. كما أن الأهل يلعبون دوراً هاماً في مساعدة أطفال ما قبل المدرسة لتنمية مشاعر قوية للاتقان والسيطرة. ولقد بحث هذا الجانب من سلوك الأهل وخاصة في مجالات التحصيل والدافعية والكفاءة في السلوك وتقدير الذات.
يشير مفهوم دافع التحصيل الى الميل الدائم للفرد نحو النجاح، ولقدراته على معاناة اللذة المرتبطة بإحساسه بالنجاح. وقد أعطت الدراسات في هذا المجال نتيجتين محددتين: (1) يتشكل دافع التحصيل خلال سنوات ما قبل المدرسة بتشجيع قوي من الأهل مصحوب بمطالب معتدلة.
(2) يرتبط دافع التحصيل مباشرة بالتدريب الخاص في فعاليات التحصيل التي يوفرها الأهل للولد خلال فترة ما قبل المدرسة.
عرفت الكفاءة في السلوك أو ما يسمى بالكفاءة الوسيلية في سلسلة من الدراسات بأنها السلوك الاجتماعي المسؤول والمستقل. وجد بومرنيد أن الأطفال الذين كانوا أكثر اعتماداً على الذات وتوجيهاً لها، وأكثر ميلاً للاكتشاف وأكثر اقتناعاً بما يفعلونه مع أقرانهم، قد تحدروا من أهل على درجة من المسؤولية الاجتماعية وتأكيد الذات. لقد وضع هؤلاء الأهل حدوداً معينة لأولادهم وفرضوها في سلوكهم لكنهم كانوا دافئين غير رافضين لأولادهم وراغبين في توضيح الأحكام التي يطلبون الى أولادهم الخضوع لها، في الوقت نفسه الذي كانوا فيه يشجعون صغارهم على تقبل التحدي.
وجد بومرنيد، إضافة الى ذلك، أن الأطفال الذين كانوا انسحابيين، وشكاكين بذواتهم كان أهلهم شديدي التقيد والوقاية والتوجيه. لقد ترك أهل هؤلاء هامشاً ضيقاً للحوار مع أولادهم وأنكروا عليهم الفرص للمغامرة ولتجربة الجديد واتخاذ القرارات. وكان لفئة ثالثة من الأولاد الذين عدوا أقل اعتماداً على الذات، وتوجيهاً لها، وأقل ميلاً للاكتشاف من أندادهم، أهل تسامحيون دافئون. لقد فشل الأهل، بتبنيهم أسلوباً فوضوياً يفتقر الى التوجيه والمطالبة بأداء الواجب في إقامة أية معايير محددة يستطيع الأطفال لاحكم على كفاءة سلوكهم في إطارها، كما فشلوا في تشجيع الأطفال على تقبل أي ضرب من التحدي. توازي تلك النتائج في مجال الكفاءة في السلوك ما عرف حول أصول دافع التحصيل. أي إن الأهل الذين استمروا في دفع أولادهم لانجاز ما قد يستطيعون إنجازه في الوقت نفسه الذي استمروا فيه يدعمون جهود الأولاد بالمديح والتشجيع يخلقون مستويات رفيعة من الكفاءة في السلوك.
وتقدير الذات هو القيمة التي يسبغها الناس على ذواتهم والمدى الذي يتوقعون النجاح وفقاً له فيما يفعلون. يعد عم لكوبرسميث أدق الدراسات حول العوامل التي تقود الىتقدير الذات والتي تعد نتائجها متوافقة مع دراسات الدافعية للتحصيل والكفاءة الوسيلية. فقد بين الباحث أن الأهل الذين لهم أولاد على درجة من تقدير الذات يميلون لأن يكونوا دافئي التقبل للآخرين ولأن يقيموا حدوداً واضحة لسلوك أطفالهم في الوقت نفسه الذين يسمحون فيه ببعض المرونة في إطار تلك الحدود. وكما هو الأمر لدى بومرنيد، فإن كوبرسميث وجد أن أهل أولئك الأطفال الذين هم على درجة رفيعة من تقدير الذات يميلون لأن يكونوا نشيطين هادفين وواثقين بذواتهم نسبياً.
قد يكون غريباً، الى هذا الحد في نقاشنا حول مشاعر الاتقان، ألا نقيم تمييزاً بين البنات والصبيان. ولكن ثمة نتائج دالة تؤكد قيام فروق جنسية في السلوك المرتبط بالتحصيل. فالصبيان أكثر ميلاً من البنات للإنجاز بتأثير الدأب والاتقان. ودافعية البنات للإنجاز تقوى بسبب الحاجة للاستحسان الاجتماعي. لقد نسبت الفروق المشار إليها الى بعض القوالب الفكرية بصدد الدور الجنسي في عالمنا المعاصر. فتقاليدنا الاجتماعية تفرض أن يكون الأولاد عدوانيي، استقلاليين وتنافسيين. وعلى البنات أن يبقين اتكاليات خضوعيات وهامشيات. يقال، بسبب تلك القوالب الفكرية، إن البنات معرضات لفرط الوقاية ولا يتشجعن للسيطرة على المهام الصعبة بحيث ينشأن أقل ثقة بذواتهن وأقل نجاحاً من أندادهن الصبيان.
خلص مكوبي وجاكلين، في معارضة مثل تلك المعتقدات، وبعد مراجعتهما الشاملة للبيانات المتوفرة، الى القول بأن الصبيان والبنات لا يختلفون في كفاحهم نحو التحصيل وأن الصبيان والبنات لا يختلفون في كفاحهم نحو التحصيل وأن الصبيان في مجتمعنا لا يلقون تشجيعاً لتخطي البنات في التحصيل والاتقان. ولسوء الحظ، لم تقوّم الدراسات التي اعتمدها مكوبي وجاكلين وفق الأصول الصحيحة للمنهج العلمي، فقد اعتمد الباحثون في بعض الدراسات على قياسات فجة واستخدموا في دراسات أخرى أطفال ما قبل المدرسة، الأمر الذي لم يسمح بدراسة الفروق الجنسية الحقيقية التي لا تتضح إلا في الطفولة المتوسطة أو حتى في المراهقة. ويتلخص كل ما يمكن أن يقال اليوم بصدد الفروق الجنسية في الاتقان بالنقطتين التاليتين:
1) تميل بعض السلطات التربوية البارزة لتأكيد وجود فروق جنسية في الاتفاق ميل سلطات أخرى لنفي تلك الفروق. 2) ثمة حاجة الى المزيد من الدراسات التي تصمم وفق أسس منهجية جيدة لتقصي الفروق الجنسية وتأكيدها أو نفيها.
يمكن أن تكون لصياغة ايركسن حول علاقة الوالد مع أولاده أهمية خاصة تستدعي الاهتمام في هذا المجال. لاحظ الباحث أنما يعانيه الأطفال في علاقتهم بأهلهم يؤثر في تكوين مشاعرهم الأساسية من الثقة أو الشك بعالمهم. يؤكد ايركسن بصدد الطفولة المبكرة أن نمط التفاعل بين الأهل والأولاد يحدد ما إذا كانت الذاتية، أو الخجل، أو الشك هي التي ستشكل السمة الأساسية لشخصية الناشئ. فإن استطاع الأهل تشجيع أولاد ما قبل المدرسة على الاعتزاز بذواتهم في تحصيلهم نمىّ الأولاد شكلاً من أشكال الذاتية، وهو شعورهم بأنهم يستطيعون توجيه ذواتهم ومحيطهم. أما إذا منع الأهل أولادهم من فعل الأشياء المعقول كما يرغبون، أو إذا هم غالوا في مطاليبهم مال الأولاد لمعاناة الخجل والشك بقابلياتهم وقدرتهم على التأثير بمصيرهم نفسه.
ثمة تمييز قاطع بين دوري الأم والأب في تنشئة الطفل. فالأمهات يبقين في البيت في غالب الأحيان ويعنين بأطفالهن، في حين يغادر الآباء المنزل لكسب الرزق. ولا يتوقع للمرأة أن تكسب الخبز ما لم تكن الأسرة مدقعة والوالد كسيحاً أو عاطلاً عن العمل. كما لا يتوقع من الوالد أن يغير خروق الطفل أو يطعمه ليلاً أو أن يعنى بالحاجات الأساسية للأطفال إلا عندما تكون زوجه مريضة أو بعيدة عن البيت. إلا أن تلك الفروق بدأت تختفي من مجتمعات اليوم. إذ بدأت النساء يزحفن الى العمل بأعداد متزايدة وذلك لاستغلال مواهبهن ولإرضاء ذواتهن، ولكسب المال. وبدأت أكثر الأسر تعدّ الطفل مسؤولةي الزوجين معاً. ولكنه على الرغم من ذلك فإن الأطفال وخاصة في الأسر التقليدية لازالوا يبدون تعلقاً بأمهاتهم وتبقى الأم أهم شخص للطفل خلال فترة ما قبل المدرسة. فالطفال يصرفون أغلب وقتهم مع أمهاتهم بحيث يمثل سلوكهن التأثير المحيطي الأهم من سواه إن لم يكن الوحيد في شخصية الطفل ونموه الاجتماعي. ويشارك المرأة في تأثيرها بابنها الزوج وبدرجة محدودة الأخوة والأعمام والأخوال. دور الأب
يمكن للآباء تحمل العديد من مسؤوليات العناية بالرضع، خاصة إن كان الأطفال يتغذون من الزجاجة، الأمر الذي يجعلهم يوزعون تعلقاتهم المبكرة بين الأم والأب. ولأولاد ما قبل المدرسة فرص عديدة للتفاعل مع آبائهم، منها زيارة حديقة الحيوانات والمتاحف أو حتى إصلاح دمية محطمة. ولقد أجرى الباحثان لين وكراش دراسة حول اهتمام أطفال ما قبل المدرسة بآبائهم. بينت الدراسة أن أولاد الثانية والثالثة والرابعة فضلوا اللعب مع الأب. كما أن الأب قد فضّل من قبل بنات الثانية. أما بنات الثالثة فقد أبدين رغبة محدودة في اللعب مع الأب وميلاً واضحاً للعب مع الأم. وهذا ما يدعم الرأي القائل بميل الأطفال في السنة الثالثة الى تقمص دور الوالد من الجنس نفسه.
يعتقد أن التفاعل المتزايد لأبناء ما قبل المردسة مع آبائهم يساعدهم على إدراك أن لهم والدين مختلفين يعنيان بهم. ولقد كان الأولاد من قبل يلقون عناية الأم وحدها، وهم الآن يطلبون عناية كلا الوالدين. هذا مع العلم أن بعض الأولاد قد يظهر تعلقاً واضحاً بالأب. فقد يسأل الصبي أباه عن بعض الحلوى لأنه يعرف أن والده يعطيه الحلوى وأن أمه قد تقول لا، لانشغال بالها بصحة أسنانه. وهكذا تنمو قابلية أبناء ما قبل المدرسة في بعض الأحيان، الى خلافات حادة بين الوالدين حول طريقة معملتهم للأطفال. يغدو أولاد ما قبل المدرسة مهرة في الهزء من حكم يصدره أحد الوالدين في ضوء ما يقوله الوالد الآخر. وهم يقدرون على التعبير عن تحيزهم وذلك بهدف السيطرة على كلا الوالدين وتوجيه سلوكهما. ولا شك ان من الأفضل للأولاد والوالدين معاً أن يقوى الوالدان على مقاومة "اللعب بهم" من قبل ابنائهم. وعلى الرغم من عدم وجود طريقة مثلى لتربية الصغار فإن على الأهل أن يحاولوا تجربة واحدة من الطرق وأن يتمسكوا بها، وذلك باعتبار أن موقف الوالدين الموحد تجاه الأبناء يساعد على تبني المعايير الخلقية السليمة. والحقيقة المسلم بها هي أن حزم الوالدين يمنع الأطفال من التفكير بأن في مقدورهم تحصيل ما يرغبون لمجرد طلبه.
إن الدراسات التي تناولت دور الوالد في تنشئة أطفال ما قبل المدرسة عديدة ومتنوعة. تؤكد أغلب تلك الدراسات أنا لوالد يلعب دوراً حاسماً في نمو طفل ما قبل المدرسة. إذ أن لصغار تلك المرحلة الذين لهم والد ملتزم بدوره التربوي مفهوماً إيجابياً حول الذات ومشاعر جيدة حول كون الواحد منهم صبياً أو بنتاً، وقدرة على معاشرة الصغار والراشدين وتوفير شروط النجاح الجيد في المواقف التحصيلية. أما الأطفال الذين يتغيب آباؤهم عن البيت، أو يهملونهم، فإنهم مزعزعو الإحساس بالذات تنتابهم صراعات حادة حول دورهم الجنسي. ويستطيع الوالد الملتزم بأداء واجبه التربوي مساعدة طفلته في تشكيل إحساسها بالرضى عن جنسها، وذلك بإبدائه السعادة لولادة الطفلة، وبمعاملة البنات كما يرغبن في أن تعاملن، وكما يعامل اخوتهن. إن ذلك يساعد البنت على إقامة مفهوم نسوي إيجابي بخصوص ذاتها كأنثى. وبتعبير آخر تلعب العلاقة الوالدية بالفتاة دوراً كبيراً في تشكيل شخصيتها الأنثوية بدءاً من مرحلة ما قبل المدرسة. ولقد أجمعت الدراسات على أن البنات اللواتي يفتقدن الى العلاقة الحميمة مع آبائهن يتسمن بالاتكالية والخضوع ويظهر ذلك واضحاً خلال المراهقة مما يجعل حياة البنت صعبة آنذاك ويزعزع مفهومها عن ذاتها وعن شخصيتها الانثوية.
ومن نافلة القول، الإشارة الى أن العناية الوالدية الحسنة بالطفل لا تقاس بالزمن الذي يصرفه الوالد بالمنزل، فالآباء الباردون أو الذين لا يبدون اهتمامهم بأولادهم عاجزون عن أن يوفروا العناية الملائمة بالصغير على الرغم من وجودهم المستمر في البيت. وعلى النقيض من هؤلاء، الآباء الذين يصرفون جل وقتهم في العمل، ويكونون مهرة في ممارسة علاقات إيجابية مع أبنائهم. المهم، إذن هو نوع علاقة الوالد بطفله وليس مقدار تلك العلاقة. ولسوء الحظ فإن الكثير من الدراسات التي قامت في تحديد أثر علاقة الوالد بطفله قد أهملت هذا المبدأ. وعلاوة على ذلك فإن الأثر السيء الذي يتركه غياب الوالد عن البيت يختلف بتباين الظروف. ويبدو أن غياب الوالد أقل تأثيراً في نمو الولد أن هو حدث في الطفولة المتوسطة أو المراهقة. ثم أن الكثير من الأدلة يشير الى أن في مقدور اطفال ما قبل المدرسة تكييف ذواتهم لغياب والدهم القاهر كما هو الأمر في حالات الموت أو المرض أو الطلاق أو العمل، خاصة ان اتصفت العلاقات الزوجية بالطيبة وتحدثت الزوجة بصدق وشرف عن زوجها عندما يكون غائباً. أخيراً إذا كانت علاقة الطفل بأمه دافئة، شجعت تقبل الطفل لجنسه وعززت تفاؤله بنفسه وقضت على الأثر السيء لغياب الوالد عن الطفل. العلاقات مع الأشقاء
تبدأ خلال مرحلة ما قبل المدرسة علاقات في غاية الأهمية بين الأشقاء. ويعاني أكثر الولاد البكر تجربة إنجاب الأم لولد آخر، كما أن الولد الأخير يستغرق في ضرب جديد من العلاقات مع أشقائه الأكبر منه. وتتميز علاقات الأشقاء بمشاعر الحسد والتنافس، التي تبرزها أكثر الأعمال الادبية. تروي التوراة قتل قابيل لأخيه هابيل. وفي الأسطورة اليونانية قتل أولاد أوديب أحدهم الآخر في صراعهم ليكون كل منهم ملك طيبة.
غالباً ما يكون قدوم الأخ الجديد أو الأخت الجديدة حادثاً مدمراً لحياة أبناء قبل المدرسة وخاصة منهم الأولاد البكر الذين سبق أن تمتعوا بملكية كاملة لانتباه الوالدين. تشير أغلب الملاحظات الى أن المولود الجديد يعد دخيلاً مزعجاً. ويميل أبناء ما قبل المدرسة للتعبير عن شقائهم بوصول الأخ الجديد بصورة غير مباشرة وذلك عبر الملاحظات البريئة التي توحي بالرغبة بإزاحة الوليد من الأسرة. وفي حالات كثيرة ينكص الولد الكبير في بعض مهاراته المكتسبة فيرجع الى الزجاجة بعد أن يكون قد استخدم الملعقة لفترة طويلة في تناول الطعام، أو يوسخ فراشه بعد أن يكون قد سيطر على حركة مثانته. تعكس ضروب النكوص تلك تباطؤاً مؤقتاً يعكس الهدف العميق للولد في أن يرجع طفلاً يتلقى ما يتلقاه الصغير من عناية.
توحي الدراسات الأسروية بعدد من السبل التي يستطيع الأهل وفقها مساعدة طفل ما قبل المدرسة على تجنب ردود الفعل السلبية نحو الوافد الجديد أو التغلب عليها. ومن المفيد بوجه الخصوص، أن يعمد الأهل لدفع الولد الكبير للمشاركة بقرارات الأعداد لاستقبال الصغير أو حتى للمساعدة في العناية به بامساكه أو إمساك الزجاجة لإطعامه. كما أن أكثر أطفال ما قبل المدرسة يحتاجون لطمأنتهم بأن دماهم وممتلكاتهم الخاصة لن تعطى للوليد الجديد وهذا ما يرسخ إحساس ابن ما قبل المدرسة بالأهمية وبأن له مكاناً مأموناً في الأسرة، الأمر الذي يجعله أميل للتكيف مع الوضع الجديد.
التفاعل مع الأشقاء الكبار
تتأرجح علاقات أطفال ما قبل المدرسة بإخوتهم وأخواتهم بين الزمالة والمنافسة. يتعلم الصغار احترام الكبار مقابل السماح لهم بالبقاء معه أو الرجوع اليه طلباً للعون والوقاية. إلا أن الصغير يحارب الامتيازات التي يتمتع بها الكبير ويتنافس معه من أجل الانتباه والاستحسان. يسر ابن ما قبل المدرسة كثيراً ان وافق أخوه الكبير على مشاركته اللعب أو تعليمه. إلا أن هذا الصغير نفسه يرحب بالفرص التي يستغلها ليحكي لوالديه الفعل السيء الذي يأتيه الولد الكبير. يستطيع الأهل مساعدة الأشقاء على التعايش المشترك بإقامة مسؤوليات تتلاءم وعمر كل منهم، مما يمكن أبناء ما قبل المدرسة من التأكد بأن ما يسمح لهم به أو يتوقع منهم يتوقف فقط على عمرهم ومقدرتهم وليس على تنافسهم مع أشقائهم الأكبر منهم. فإذا لم يراع الأهل الفروق العمربية بين الأولاد ومنعوهم من المنافسة التي تقوم على اعتبار شخصياتهم الفردية، أساؤوا الى العلاقات بين الأشقاء. إذ يميل الكبار الذين يعطون امتياز ملازمة أشقائهم الأصغر منهم للاحساس بأنهم يصغرون في السن فيحسون بفقدان الثقة بقابلياتهم. إما الأولاد الصغار الذي يعطون مسؤوليات أشقائهم الأكبر منهم، فيصابون بالغبن والإحباط وذلك لعجزهم عن مواجهة تلك المسؤوليات.
التفاعل مع الأقران
يقيم الأطفال أثناء مرحلة ما قبل المدرسة أول احتكاكاتهم وأهمها مع أقرانهم. فالآن وقد أحسوا بقوة عضويتهم، وبلهفتهم لاكتشاف العالم من حولهم خارج بيتهم، وبعدم حاجتهم الى النصح الدائم، فإنهم يدخلون عالم لعب الطفولة الجميل. في هذا العالم الجديد يزداد اهتمامهم بأقرانهم وبالراشدين معاً. هذا مع العلم أن الأولاد في عمر الثانية يصرفون في اللعب الفئوي مع أقرانهم وقتاً أطول من نظيره الذي يصرفونه مع الراشد.
استخدمت اركمن ورفاقها، بغية تنميط نمو اللعب الاجتماعي خلال السنة الثانية من الحياة موقف لعب تجريبي فوضعت الاطفال من أعمار 11 شهراً، و17 شهراً، و23 شهراً مع امهاتهم في الملعب الى جانب طفل آخر من السن نفسها. وكان الطفل الآخر مع أمه أيضاً. لاحظت المجربة عندئذ ولمدة عشرين دقيقة، مدى لعب الطفل بمفرده أو مع الآخر، أو مع أمه، أو مع أم الطفل الآخر. أبانت النتائج ظهور اللعب الاجتماعي في السنة الثانية من العمر كما أظهرت الاهتمام المتصاعد للأطفال بلعب بعضهم مع بعض وليس مع أمهاتهم. وما أن يصل ابن ما قبل المدرسة السنة الرابعة أو الخامسة من عمره حتى يلتفت كلياً الى أقرانه، دون اهتمام بالراشد، بحثاً عن الانتباه والمديح. يساعد التفاعل المتزايد مع الأقران على جعل الطفل أكثر وعياً باختلافه عن سواه، إذ أنه يرى أطفالاً آخرين أكبر منه أو أصغر منه، أو أقوى منه أو أحسن منه، ويتعرف أن لبعض هؤلاء جلداً أسمر وللآخرين جلداً أصفر أو أبيض. ويكتشف ابن ما قبل المدرسة، وبالتدريج إن الأطفال يأتون من أسر تختلف عن أسرته، وأن لبعض الأولاد أشقاء، وأن أهل بعضهم صغار السن، وأن أحدهم فقد أحد والديه وأن الأطفال الآخرين يتناولون وجباتم في أوقات مختلفة عن حاله هو، وإن لهم دمى مختلفة عن الدمى التي يمتلكها. يتسع هذا الضرب من المساهمة الاجتماعية النامية مع الأقران ويوسع خبرة الطفل، فيحاصر أهله بأسئلة لا تنتهي عن سبب اختلاف الحياة في الأسر الأخرى. إضافة الى ذلك فإن أبناء ما قبل المدرسة يدركون الفروق فيما بينهم في القدرة العقلية وفي سمات الشخصية فيتعلمون أن بعض الأولاد أكثر تقدماً منهم في اللغة وفي سمات الشخصية فيتعلمون أن بعض الأولاد أكثر تقدماً منهم في اللغة أو في المهارة الحركية، مثلاً ويرون مدى بروز أولئك الذين سيكونون قادة أو أتباعاً، ونتيجة لذلك فإن بعضهم يغدو أكثر شعبية مع أقرانه من الآخرين. أشارت الدراسات بوضوح الى الخصائص المرتبطة بالشعبية. فأبناء مدرسة الحضانة وبناتها المحبوبون هم أطفال وديون تعاونيون قادرون على توفير الاهتمام والاستحسان اللذين يتلهف اليهما الصغار.
للعب أهميته الكبرى إذن في نمو الشخصية والاهتمامات الاجتماعية خلال فترة ما قبل المدرسة. فالأطفال الذين يحرمون فرص اللعب إنما يضيعون تجربة تعلم اجتماعي حية، فيكونون، نتيجة لذلك، أقل من الآخرين ثقة بذواتهم أو تأكيداً لتلك الذوات سواء في الأسرة أم في العالم الخارجي. أبان جفرسون ورفيقه أن ثمة علاقة ذات دلالة بين كمية المساهمة الاجتماعية من جانب صبيان وبنات السابعة والنصف وبين ظاهرة التفاعل مع الأقران. يستطيع أبناء ما قبل المدرسة إضافة لتلك المساهمة الاجتماعية العامة الاستفادة من التفاعل القوي مع الأقران بعيداً عن المنزل وعن نصح الأهل. ففي حين أن الغياب عن البيت لفترة قصيرة لمقابلة زملاء جدد واللعب معهم إنما يكون إعداداً جيداً لسنوات المدرسة المقبلة، فإن دخول الولد، الذي لم يسبق له أن غادر جانب والده الى المدرسة الابتدائية قد يكون مصدراً ضخماً للقلق.
التأهيل الاجتماعي
التأهيل ظاهرة يكتسب الأطفال بوساطتها الحكم الاجتماعي والتوجه الذاتي الذي يلزم لتحويل الناشئ الى راشد مسؤول في مجتمعه. فالطفل لا يولد بمفهوم جاهز عن الخطأ والصواب، أوبتصور واضح للسلوك المستحسن والمستهجن. ولا شك أن النضج المعرفي الذي يتحقق خلال سنوات ما قبل المدرسة يفيد في شحذ تدريجي لقدرة الأطفال على إصدار الأحكام الاجتماعية وعلى توجيه سلوكهم في ضوء تلك الأحكام. إلا أن محتوى التأهيل الاجتماعي، أي الأفكار الخاصة التي يشكلها الصغار بصدد الملائم والمنافي من السلوك لا تحدد بالنضج بل بتجربة الطفل. وفوق كل شيء، فإن الحكم الاجتماعي وتوجيه الذات يتشكلان عن طريق ضبط الأهل لسلوك الولد وبالأمثلة المشخصة التي يقيمونها له. بهذه الطريقة ينقل الأهل لابنائهم الاتجاهات، والتقاليد والقيم والمعايير العامة للأخلاق في المجتمع إضافة الى القيم المميزة للبيئة الاجتماعية الصغرى، وخاصة منها عرق الوالدين، ودينهم، وأصلهم القومي، وطبقتهم الاجتماعية، وانحيازاتهم السياسية.
يستجيب الأطفال لتأثير والديهم بتشكيل منظومتين متكاملتين من المعايير هما الوجدان والأنا المثالي. يبدأ تكون الوجدان أولاً عندما يتقبل الطفل المحرمات المفروضة عليه. والوجدان صوت داخلي يستمر في ترداد الأمر الوالدي للطفل "بألا" يسطو على ملكية الغير مثلاً، في غياب الوالدين. ويتشكل الأنا المثالي، ثانياً، من مجموعة الأهداف والقيم الايجابية المكتسبة. والأنا المثالي مهماز تحريضي داخلي من الطموح والواجبات، وهو لا ينفصل عن الوجدان، فعندما يقدم الطفل على اقتراف السلوك المحرم ويخضع وجدانه للإحساس بالإثم وهذا ما يستثير الأنا المثالي ويدفع الى الإحساس بالعار للتقصير عن تحقيق ما يتوجب تحقيقه. يتحقق التأهيل الاجتماعي أخيراً، عندما:
(1) يعمد الأهل الى ضبط أولادهم بسبل تساعدهم على تشكيل وجدان ملائم. (2) يكون الأهل أنفسهم أمثلة مشخصة للحكم الاجتماعي والسيطرة على الذات بحيث يتقمصهم أبناؤهم. فالضبط والتقمص عاملان أساسيان في التأهيل.
تبين أن الضبط سواء بصيغة الثوات أو بصيغة العقاب، يساعد الأطفال على تكييف سلوكهم وتعلم السيطرة على الذات. فقد أعطي الصغار فرصة الحصول على دمية جذابة وأخرى غير جذابة. ومدح الأولاد وأعطوا قطعة من الحلوى عندما امسكوا بالدمية غير الجذابة، ولم يمدحوا ولم يعطوا شيئاً عندما امسكوا بالدمية الجذابة. وكان الأولاد الذي مروا بالتجربة، عندما يتركون لأنفسهم يميلون لحرمان ذواتهم من الدمية الجذابة ويأخذون الدمية غير الجذابة. وتم الحصول على النتائج نفسها عندما عوقب الأطفال في مثل تلك المواقف. والطريف أن الثواب والعقاب أن أنزلا بالولد عندما يكون في طريقه الى إمساك الدمية تزيد آثارهما على ما هي عليه عندما يبدأ اللعب بالدمية. أن أن فعالية الضبط تزداد في المراحل الأولى للسلوك عنها بعد أن يتخذ السلوك شوطاً طويلاً من مجراه.
ولا بد من الإشارة الى أنه من الصعب بمكان إقامة تعاميم حول آثار الضبط في سلوك الطفل. فبالإضافة الى أهمية توقيت الضبط وشكله من ثواب أو عقاب، فإن ثمة عوامل أخرى تلقي بآثارها، مثل من الذي يمارس الضبط؟ وملاءمة الضبط للموقف الخاص، وحساسية المبحوث نفسه للمديح أو للعقاب. لهذا، فإن أكثر الباحثين في ضبط السلوك ينصحون بكثير من الحذر في تفسير النتائج. من طرف آخر فإن الأطفال يستفيدون من الضبط في حالات:
(1) استمرارية الضبط. (2) كون الضبط إيضاحياً وليس عقابياً. (3) توجيه الضبط الى السلوك وليس الى الناشئ.
استمرارية الضبط
نعرف من الدراسات التجريبية حول التعلم أن السلوك الذي يخضع لتعزيز جزئي يثبت بقوة ويقاوم التغيرات أكثر من نظيره الذي يخضع للتعزيز المستمر. وبالمثل تبين أن العقاب المستمر للسلوك المستهجن يؤدي الى إضعافه بدرجة أقل من العقاب المتقطع. من الواضح ، إذن ، أن العقاب المتقطع للسلوك المستهجن يعمل بين الحين والحين كمعزز جزئي. يستطيع الأهل للإفادة من الوقائع المذكورة بصدد الضبط مساعدة أولادهم تعلم الأحكام الجيدة والسيطرة على الذات بموافقتهم على معايير سلوكية وتعزيز تلك المعايير. أما إن اختلف الأهل بصدد معايير سلوك الأولاد أو إن هم عاقبوهم مرة وأهملوا عقابهم مرة أخرى، فإن الأولاد في تلك الحالة يستمرون في اتيان السلوك المنافي للجميع مثل العدوانية والاستخفاف بالآخرين، والقسر، والرعونة تجاه الآخرين.
لماذا يقود الضبط المتذبذب الى ضرب فج من التأهيل الاجتماعي؟ إن هذا السؤال لم يلق جواباً بعد. تقترح إحدى الفرضيات أن الأولاد الذين يتعرضون لضبط متذبذب يميلون للاعتقاد بأن أهلهم أناس لا علاقة لعقاب الأهل وثوابهم بسلوك الناشئة، بل بظروف هوجاء يفشل الناشئة في السيطرة عليها. يعجز مثل هؤلاء الناشئة عن إقامة ما يسميه روتر "ببؤرة داخلية للتوجيه" فيسلكون بحسب رؤيتهم للحوادث الخارجية.
يفشل الناس الذين لهم "بؤرة خارجية للتوجيه" بتعبير روتر، في تنمية وجدان ملائم، فيرون مصيرهم كما لو كان في يد القدر أو في أيدي من يملكون القوة. ويقوم المانع الأول لهؤلاء عن الموبقة من خوفهم من أن يمسكوا ويعاقبوا. لقد دلت الدراسات على ميل الأطفال ذوي الؤرة الداخلية الى أن يحسوا بالإثم أن آذى سلوكهم الغير، خلافاً لأندادهم ذوي الؤرة الخارجية، فنادرا ما يعانون الإثم بسبب إيذائهم للآخر. كما يميل ذوو البؤرة الداخلية الى تقبل اللوم على الخطأ، والى الاعتراف بسوء الفعل، والى مقاومة محاولات الآخرين لدفعهم لارتكاب الأعمال اللاأخلاقية. كل ذلك خلافاً لذوي الؤرة الخارجية الذين هم نقيض الفئة الأولى في ضروب السلوك المذكورة. يقود تشكيل بؤرة ضبط داخلية إذن الى تكوين ناشء يتحول بسهولة الى راشد مسؤول.
الضبط الإيضاحي
يعد الضبط إيضاحياً إن هو طبق بطريقة هادئة ومعقولة، وكان رداً مناسباً علىخطأ معين. وعلى العكس من ذلك فإن الشتيمة الغاضبة والضرب المبرح اللذين لا يرتبطان بالفعل السيء أو اللذين يشتدان كثيراً يبقيان عقاباً بدائياً. فعندما يفرط الأهل في العقاب، أو يعاقبون عشوائياً، يغلب في طفل ما قبل المدرسة، الخامل المستكين الضعيف الجسم أن يرتعش ويهرب من العقاب ويخشى تأكيد ذاته. أما الطفل النشيط الواثق بنفسه القوي البنية فإنه يرد على عقاب الوالدين بالحقد والعدوان والتفجر الغاضب.
التنميط
ثمة صيغة رديفة للتقمص تقوم على إخضاع الأولاد لنمط ومعيار معين وتسمى بالتنميط. غالباً ما يؤدي التنميط الى خيبة أمل الوالدين اللذين يقوم ضبطهما لصغارهما وفق منهج "اعمل ما أقول"، بالنتائج التي يحصلون عليها. فالأهل الذين يركنون الى الضبط العقابي معرضون لمواجهة نقيض النتيجة التي يسعون اليها. وقد أوضح هوفمان الفروق بين الضبط الايضاحي ونظيره العقابي ووصف نوعين من الضبط، أولهما إثبات القوة ويشمل عقوبة فعلية أو تهديداً بها أو حرماناً من الأشياء المادية والامتيازات. ويتمثل النوع الثاني من الضبط بحجب الحب، وبه يعبر الأهل عن الغضب أو الاستهجان برفض الطفل، وبرفض الانصات له أو التحدث اليه، أو بالتهديد بهجره أو بطرده. يتضمن الضبط الايضاحي من جهة أخرى أساليب الاستقراء، حيث يوضح الأهل لطفلهم لماذا يريدونه أن يغير سلوكه. أما في الصيغة الأخرى للضبط الايضاحي والمسماة "بالاستقراء غيري التوجه" ، فيلفت الأهل الانتباه الى السبل التي قد يؤذي بها سلوك الناشئ الآخرين. تكشف دراسات إثبات القوة، وحجب الحب، وأساليب الاستقراء أن للطريقة المنتقاة تأثيراً دالاً فيما إذا كان الطفل سينمي رمزاً متيناً للسلوك (خلقاً قوياً) أو بؤرة خارجية للتوجه (خلقاً ضعيفاً). يرتبط استخدام اثبات القوة بالنمو الخلقي الضعيف، أما أساليب الاستقراء ، وخاصة عندما تكون غيرية التوجه، فترتبط بنمو خلقي متطور. ولا شك أن تقديم الايضاح للطفل يساعده على تشكيل منظومة داخلية من القواعد والتوقعات التي تساعده على توجيه سلوكه. أخيراً، لم يتبين أن حجب الحب يحمل أية علاقة دائمة مع مؤشرات النمو الخلقي.
الضبط السلوكي
يمكن للضبط أن يوجه إما الى سلوك الطفل (إن ما فعلته أمر بشع)، أو الى الطفل كشخص (لماذا أتيت بهذا السوء؟). وعلى العموم يمكن التأكيد بأن توجيه الضبط الى السلوك يساعد الطفل على المحافظة على احترامه لذاته، أما الضبط الموجه للطفل فيشعره أنه عاجز وغير محبوب وعلى الأهل أن يميزوا بين طفلهم كشخص وبين ما يفعله مما يتيح له أن يتساهل في تقبل الضبط. ليس صعباً على المرء أن يرى كيف يعمل الضبط الممارس بحب ودفء على مساعدة الطفل في اكتساب المعايير الخلقية. وتقبل الوالد لطفله مصدر تعزيز اكثر ثباتاً من رفضه له، الأمر الذي يجعله قادراً على تعليم الطفل الحكم الاجتماعي والتوجيه الذاتي. وبالمثل، فإن استهجان والد محب أكبر أثراً من استهجان والد رافض وبارد وبعيد. ربما كان هذا هو السبب الذي جعل أكثر الدراسات تؤكد أن الوالد الذي يمارس الضبط بأسلوب دافئ محب يشجع الطفل على تنمية بؤرة توجيه داخلي. أما الضبط العقابي فيساعد على تنمية أخلاقية خارجية البؤرة.
التقمص
إنه فعل يتبنى فيه الفرد مشاعر الآخرين وأفعالهم واتجاهاتهم ويمارسها كما لو كانت مشاعره وأفعاله واتجاهاته هو. والتقمص الذي وصفه فرويد وغيره من نظريي التحليل النفسي لا شعوري الى درجة كبيرة، الأمر الذي يعني أن المتقمص لا يعي أنه يتبنى سلوك شخص آخر ومشاعره واتجاهاته. فالتقمص يختلف عن التقليد الواعي على الرغم من أن الفعلين يسهمان في نمو الشخصية بذات الطريقة والاتجاه.
يبدأ الصغار مبكراً في الحياة بتقليد كلام والديهم وملامحهم وتفضيلاتهم. فلا يتوانى الصغير عن تصبين ذقنه تقليداً لوالده في حلاقة ذقنه أو الصياح بوجهه تقليداً لما قالته أمه بأنه لا يبجب أن يبقى بمفرده في المنزل أو لا يحب أن يتناول الغذاء في المنزل دوماً. يتشكل التقمص بتعزيز واضح أو ضمني، فملاحظة الأم أو الأب لفعل الولد أو قوله تعمل على تعزيز الفعل باتجاه السلب أو الإيجاب.
تنمو أفعال التقليد المذكورة خلال فترة ما قبل المدرسة الى ظاهرة تقمص واضحة، وذلك بانتقال الولد من مجرد تقليد أحد والديه الى محاولته مسخ نفسه على شاكلة الوالد. يبدي الولد أحياناً، تلهفاً واضحاً لتقليد الوالد.
لا بد من الإشارة الى أن أكثر المختصين لا يقيمون تمييزاً بين التقليد والتقمص. يلح نظريو التعلم الاجتماعي البارزون أمثال باندورا ووالترز على أهمية التكيف الاجتماعي للفرد وعلى خضوع هذه العملية لنفس المبادئ التي تتحكم في ظاهرة التعلم، مما يجعل مفهوم التقليد قادراً على تفسير ذلك الجانب من نمو الشخصية (باندورا، 1964). إلا أن لنا سبباً معقولاً يدفعنا لاستخدام كلمة تقليد للإشارة الى النسخ الجزئي لسلوك الفرد، وكلمة تقمص للدلالة على النسخ الكلي له. ثم إن التقليد لا يتطلب القابليات المعرفية الإدراكية اللازمة للتقمص.
يستطيع الفرد تقليد بعض أفعال الآخر بصورة آلية لكنه يعجز عن أخذ دور الآخر ما لم يتعاطف معه ويتقبل طريقة شعوره وتفكيره. دلت الدراسات على أن القدرة على أخذ الدور تنمو لدى الأطفال في السنة الثالثة أو الرابعة. وتوفر تلك الدراسات الأساس لتمييز التقليد المبكر من التقمص. ولا شك أن التقليد والتقمص يختلفان بالنسبة للناس الذين يتخذون نماذج للتقليد. فالتقمص يحدث مبدئياً في سياق علاقة قائمة حميمة بين الناس، خلافاً للتقليد الذي قد يتم نتيجة ملاحظة موجزة غير هامة. نتيجة لذلك يعمد أطفال ما قبل المدرسة، الى تقمص أهلهم وتقليد الآخرين.
دارت الدراسات في مجال التقمص حول العوامل التي تسهم في تشكله. يظهر أن التشكل المذكور يحتاج الى الدفء والقوة، فيقوى تقمص الأولاد لأهلهم إن هم أحبوهم وتقبلوهم، ويضعف إن لم يحس الأولاد بالمودة لوالديهم. اضتحت إضافة لذلك، ثلاثة عوامل هي:
(1) التشابه فيقوى التقمص عندما يقوم تشابه مدرك بين الأولاد وأهلهم. (2) الإدراك الواضح إذ يستطيع الأولاد تقمص والديهم عندما يدركون بوضوح طبيعة الوالد كنموذج. (3) التعزيز، فيشتد التقمص ويقوى، شأن التقليد،بإبداء الوالدين لإمارات السعادة والاستحسان لفعل الولد أو لسلوكه.
يقوى التقمص ويشتد، إن دلل الولد على إدراكه للتشابه مع والده ويضعف فيما عدا ذلك خاصة في غياب الوالد عن البيت أو في امتناعه عن التفاعل مع الولد وحرمانه له من فهم تلك التشابهات. قد يحدث أن يدرك الولد تلك التشابهات ويعبر عنها بوضوح كقوله "أنا آكل بيدي اليسرى مثل ماما" وطبيعي، تحقيقاً للعامل الثالث، إن يستحسن أحد الوالدين فعل الولد وقوله لكي يثبت التقمص ويشتد. لا بد في ختام شرح عوامل التقمص من التذكر بأهمية التقمص كظاهرة في عملية التأهيل الاجتماعي تتحقق في معظمها عن طريق تقليد نموذج حي في محيط الناشئ. توفر دراسة مظاهر الشخصية المتمثلة بالعدوان، والغيرية، والتقمص الجنسي مثالاً حياً يوضح تفاعل التقليد مع التقمصعند أطفال ما قبل المدرسة، لصنع راشد المستقبل من طفل اليوم.
العدوانية
يتسم سلوك الناس جميعاً بضرب من العدوانية في وقت ما. ويبدو أن العدوانية قدر أو شرط للنمو السوي في السلوك البشري. حاولت النظريات المختلفة إيضاح أصل العدوان بعدّه سمة موروثة تنمو استجابة لتجارب الاحباط في الطفولة، أو بعدّه سلوكاً يكتسب عبر التعزيز الوالدي أو الاجتماعي. وعلى الرغم من ضخامة حجم ما كتب بصدد العدوانية، فإننا لا زلنا نجهل كيف ينقلب الأطفال عدوانيين أو لماذا يتحولون الى العدوانية. وكل ما نعرفه الآن هو أن العدوانية تتباين مع العمر وأنها تنشأ من ملاحظة النماذج العدوانية أي بالتقليد والتقمص. ولا بد، قبل وصف السنية في العدوانية، من التمييز بين العدوان الكرهي الذي يصوب للآخر وتصحبه مشاعر الغضب وبين العدوان الوسيلي الذي يتفجر عند صنع شيء أو بلوغه وهو غير شخصي على الرغم من احتمال تعرض الآخرين لآثاره. أما بالنسبة للفروق السنية فقد دلت دراستان تفصلهما أربعون سنة على قيام فروق واضحة في عدوانية الأطفال من ذوي الأعمار المختلفة. فحص داوز في عام 1934، شجار أطفال الحضانة الذي تتراوح أعمارهم بين 18 شهراً و65 شهراً. وفي سنة 1974، درس هارتوب التفاعل داخل عدد من فئات أطفال ما قبل المدرسة الذين تتراوح أعمارهم بين أربع سنوات وست سنوات، وفئات أطفال المدرسة الابتدائية من أعمار تتراوح بين ستة سنوات وسبع سنوات، وذلك خلال فترة عشرة أسابيع. أظهرت كل من دراستي داوز وهارتوب التالي:
1) على الرغم من أن عدوانية طفل ما قبل المدرسة وسيلية فإن العدوان الوسيلي يخف بصورة تدريجية بدءاً من السنة الثانية وحتى السنة الخامسة. 2) يترافق اضمحلال العدوان الوسيلي بتصاعد العدوان الكرهي. 3) يستمر كلا الاتجاهين حتى الطفولة المتوسطة وذلك إضافة الى انخفاض العدوان لجى أبناء السادسة والسابعة عما هو عليه لدى أبناء ما قبل المدرسة الذين يبدون مقداراً كبيراً من العدوان الكرهي.
ترجع تغيرات السلوك العدواني الى ظاهرة التأهيل الاجتماعي. إذ يؤدي اكتساب الأطفال للتحريمات الاجتماعية ضد العدوانية الى تعلمهم لجم نزواتهم العدوانية. من جهة ثانية تشتد العدوانية بفعل التعلم خاصة عندما يتقمص الصغير الكبير أو يقلده. قسم باندورا الأولاد الى فئتين: فئة الراشد الوديع وفئة الراشد العدواني الذي طلب منه ألا يبالي بدميته أمام فئة من الصغار. تبين بعد فترة من الزمن أن فئة الراشد العدواني من الصغار أبدت من العدوانية أضعاف ما أبدته فئة الراشد الوديع تجاه الدمية وأي شيء آخر. ولقد تأكدت نتائج باندورا بعرضه فيلم عدواني النزعة وآخر مسالمها على فئتين من أبناء الحضانة. إن للنتائج الأخيرة تطبيقاً واضحاً بصدد المادة الروائية ومضمونها ومسؤولية تلك المادة في التخفيف من عدوانية الناس عموماً والناشئة خصوصاً. الغيرية
تشير الغيرية الى سلوك يتصف بالرحمة والاعتبار والكرم والنفع للآخر. تبدي سمة الغيرية، شأن العدوانية استمراراً عبر الزمن وبعض العمومية، إذ أن الغيري، في وضع ما يبقى محافظاً على غيريته في أوضاع أخرى. تبدأ عمومية الغيرية بالظهور خلال فترة ما قبل المدرسة، فقد وجد بومرنيد درجة مرتفعة من الترابط بين درجات التعاطف والدعم ونفع الآخر في أطفال ما قبل المدرسة كما لاحظ بارو وواكسار أنماطاً ثابتة من المشاركة، والمساعدة، والمواساة بين أطفال تتراوح أعمارهم بين ثلاث سنوات وسبع سنوات. دعت تلك الملاحظات بعض الباحثين الى الاعتقاد بوجود نزعة طبيعية عميقة في الطفل لأن يكون رحيماً. وعلى هذا الأساس تظهر الغيرية حالما يقوى الصغار على تقدير مشاعر الاخر والتعرف على حاجاته. ويغاير آخرون أصحاب النزعة الطبيعية الرأي فيعتقدون أن الغيرية تتعلم كمعيار للسلوك الخلقي. في الواقع لا زلنا نجهل كيف ولماذا يصبح الطفل غيرياً جهلنا لـ "كيف" ولماذا تحدث تباينات الغيرية من الزمن. فحوالي السنة الثانية، وعندما يبدأ الصغار يعتدون الواحد على الآخر، يبدأون في الوقت ذاته، التشارك في الدمى والحلوى ويتعاطفون مع آلام بعضهم. لقد أكدت العديد من الدراسات على أن الغيرية والكرم يتصاعدان في النمو بدءاً من الثانية وانتهاء بالعاشرة. تجدر الإشارة هنا الى دراسة حول غيرية الأطفال في موقف مخبري على الرغم من أن هذا الموقف لا يوفر قياساً جيداً للسلوك في واقعه الحي. سمح للأولاد في موقف مخبري أن يكسبوا أقراصاً بلاستيكية تلزم للعب ضرب من القمار، وذلك بعد أن أخبروا بأن الجائزة التي تستبدل بالأقراص تزداد بازدياد عددها. سئل الأولاد بعدئذ، وقبل إبدال الأقراص بالجائزة أن يتبرعوا ببعض أقراصهم للأطفال المعوزين. مال أبناء المدرسة الى التبرع بأقراصهم أكثر من ميل أطفال ما قبل المدرسة، وأبناء السنة الحادية عشرة أكثر من ميل أبناء السنة السابعة. من طرف آخر، عندما لوحظ الأطفال في الموقف الطبيعي في الملعب تبين أن أبناء الثالثة وحتى الخامسة يميل بعضهم لمساعدة بعض بالقدر نفسه الذي يظهر عند أبناء الثامنة وحتى العاشرة. هكذا يبدي أبناء العاشرة حساسية لمساعدة الآخر، المعوز أكثر مما يبديه أبناء الخامسة، غير أن الرغبة في تقديم المساعدة للآخر عند أبناء العاشرة تصطدم بميلهم نحو الاستقلالية واهتمامهم بالتحصيل والمصلحة الذاتية مما يؤدي الى زعزعة مواقفهم الغيرية في أحيان كثيرة.
أخيراً لا بد من الإشارة الى أن الغيرية، كسواها من أنماط السلوك، يمكن تعزيزها وتشكيلها بملاحظة النماذج المستحسنة للغيريين. فلقد تبين أن الأطفال في المخبر الذين يشاهدون أعمال العطاء والمساعدة يميلون الى أن يكونوا كرماء ومحسنين. يتجلى الميل المذكور سواء أكان النموذج طفلاً أم راشداً أم فيلماً أم سلوكاً حياً. هذا إلا ان على الباحث أن يكون حذراً تماماً من تعميم السلوك المخبري المصطنع على الموقف الطبيعي. من جهة ثانية تشير الملاحظات الطبيعية الى أن أطفال الحضانة يقلدون السلوك الغيري لأقرانهم، وأنا لسلوك الغيري للأطفال يرتبط مباشرة بوجود والد على الأقل في البيت يمثل دور النموذج المستحسن. من الطريف أن نلاحظ بأن لتشكيل السلوك الغيري بالتقليد أثراً أقوى من الأثر الذي يتركه الوعظ المجرد، وهو أمر لا يختلف عما رأيناه بصدد سلوك التقمص.
التقمص الجنسي
وهو فعالية يشكل الفرد بها مفهوماً عن نفسه بعدّه ذكراً أو أنثى. وكما أشرنا من قبل فإن صبيان وبنات ما قبل المدرسة يعرفون الفروق المميزة في عضويتهم وأنهم سيصبحون رجالاً أو نساء في حالة الرشد. يوسع التقمص ذلك الوعي الجنسي لدى الأطفال بجعلهم يميلون لتقمص الوالد من جنسهم والدور الجنسي المرتبط به.
وعلى الرغم من أن الكثير منا لنظريات قد أكدت خضوع التقمص، من حيث المبدأ لضرب من التخصصص الجنسي من جانب الولد بحيث يميل الذكر لتقمص أبيه والبنت لتقمص أمها، فإن نتائج الدراسات تشير الى التشابه والتعزيز بعدّهما أبسط الايضاحات وأقربها الى الصحة. فالفروق الفردية تجعل الأطفال يميلون الى تقمص الوالد من جنسهم أكثر من تقمصهم للوالد من الجنس الآخر، ثم إن أغلب الأهل يشجعون ما يعدونه سلوكاً ملائماً لجنس الولد ويعززونه، وفي الوقت نفسه يعاقبون نقيضه.
من الضروري ملاحظة أن التمييزات التي يقيمها الأطفال بين الذكورة والأنوثة تختلف من أسرة لأخرى. إضافة لذلك، فإن المجتمع المعاصر يلغي بعض الأدوار الخاصة بكل من الجنسين، إذ أن بعض الصبيان يطلقون شعورهم وبعض البنات يجعلن شعورهن على نمط شعور الصبيان. كل ذلك على الرغم من وجهات النظر والقوالب الفكرية القبلية حول كل جنس ومقومات سلوكه، والتي تظهر خاصة عند أطفال ما قبل المدرسة الذين ما زالوا يعتقدون أن الوالد هو الذي يعمل في حين الأم تعنى بالبيت والأطفال، علماً بأن أكثر أمهاتهم يعملن خارج المنزل. كل هذا في نفس الوقت الذي تتضاءل فيه الحدود بين الأدوار، والذي تذهب فيه قرابة 40% من النساء الى سوق العمل، والذي يسمح فيه للمرأة بالقيام بعمل ذكري. وعلى الرغم من تغير العديد من الأدوار الجنسية، فإن ممارسات التأهيل في كل المجتمعات لا زالت تنتج أنماطاً سلوكية متميزة الأدوار في صبيان وبنات ما قبل المدرسة. يتشجع الصبيان لأن يكونوا فعالين، عدوانيين، تسلطيين، خلافاً للبنات اللواتي يقسرن على أن يكن خاملات، اتكاليات، وأكثر ميلاً للأخذ وتقبل المساعدة منهن الى العطاء وتقديم العون. وعليهن، في علاقاتهن بالآخرين، أن يخضعن لا أن يوجهن. وأخيراً يدفع ازدياد وعي الأولاد لسمات شخصيات والديهم واخوتهم الكبار، الى توجيه تقمصاتهم وتصعيدها نحو أدوار واتجاهات ترتبط بجنسهم. ولسوف نقتفي آثار تلك التقمصات في دراستنا للطفولة المتوسطة.
وعي الذات واتجاهاتها
يشدد الصغار وعيهم لذواتهم ويشكلون الكثير من الاتجاهات الجديدة نحوها وذلك نتيجة لضروب النضج العضوي والمعرفي. يبدي الصغار على الخصوص، وعياً متصاعداً بجسمهم، وتبرز لديهم مشاعر السيطرة على الأشياء وتقوى.
وعي الجسم
يتحقق للصغار خلال السنتين الأوليتين من الحياة وعي أنهم أشخاص متميزون ولهم جسم ترجع ملكيته رجوع ملكية الأذرع والسيقان، لهم، وذلك لقدرتهم على تحريك ذلك الجسم وتوجيه الحركة الوجهة التي يريدونها.
يدفع وعي اطفال ما قبل المدرسة بأنهم يمتلكون جسماً، لأن يتحسسوا التغيرات التي تحل بهم وغالباً ما يقلق الأطفال بين الثالثة والخامسة بحجومهم أو يفخرون بها وينتظرون، وبمنتهى اللهفة المناسبات لكي يزينوا أنفسهم أو يقيسوا أطوالهم. يعرف أطفال ما قبل المدرسة الفروق العضوية بين الجنسي، إذ يعرف ثلثا أبناء الثالثة أنهم إناث أو ذكور. وتشيع الألعاب المشبعة بالمضامين الجنسية في السنة الرابعة، ويسأل الكثير من أبناء الرابعة والخامسة أهلهم أسئلة حول الجنس.
والعادة أن يبدي الصغار قلقاً واضحاً للتلف الذي تتعرض له أجسامهم. فالصغار الذين يعرفون برباطة الجأش يخافون أن تنحطم لهم ظفر، أو سن، ويغالون في النتائج السيئة المترتبة على جروح بسيطة، لكن البنات أقل قلقاً من الصبيان في هذه الناحية.
تشكل ردود فعل الأهل الناجمة عن وعي أبنائهم لأجسامهم اتجاهات الأبناء من أنفسهم فتعمل سعادة الوالد بالتغيرات العضوية لدى ابنه على دفع الولد للشعور بالاعتزاز والثقة بذاته. وتتأكد الاتجاهات الايجابية للناشئ نحو ذاته أن عمد الأهل الى إجابة استفساراته الجنسية بوضوح ملائم لمستواه العقلي والمعرفي في تلك السن. من السهل على الأهل أن يدفعوا أبناءهم للإحساس بالبلاهة والتعاسة إن هم أنكروا الاهتمامات الطبيعية المتمثلة في أسئلة الناشئ أو سخروا منها. أما معاقبة الولد على أسئلته الجنسية التي تبدو جريئة في عين الراشد فتجر الولد الى تشكيل اتجاهات سلبية نحو ذاته.
الاحساس بالاتقان والسيطرة على الأشياء
يبدأ تكون إحساس الأطفال بالاتقان والسيطرة على الأشياء خلال مرحلة الرضاعة وذلك عبر إحساسهم باللذة المرافقة لشعورهم بالقدرة على توجيه المحيط من حولهم. فلقد لوحظ أن الطفل يبتسم أو حتى يضحك عند نجاحه في تحريك دميته. تدفع اللذة المرافقة للإحساس بالقدرة على توجيه الأشياء الطفل لتكوين المزيد من المهارات الجديدة في نفس الوقت الذي تعمل فيه على تكوين ذاتيه الوليد. إن ثمة الكثير من السبل التي يستطيع الأهل بواسطتها تشكيل محاولات الطفل لاتقان السيطرة على الأشياء. وقد أبانت أغلب الدراسات أن محاولات الطفل تشتد أن شجعه الأهل على ذلك أو ساعدوه أو مدحوا الاستقلال في سلوكه.
ولا يعاني الأطفال إحساساً دائماً مستمراً بالاتقان والسيطرة على الأشياء إلا في بداية سنوات ما قبل المدرسة، وذلك عندما يمكنهم نضجهم الإدراكي المعرفي من تمييز الفروق بين المهارات القديمة والراهنة. إذ تفيد القدرة على وضع معايير السلوك الصحيح للطفل في معاناة ما يسمى بالتحصيل أو الإنجاز. ويعمل الإنجاز بدوره على توليد مشاعر مستمرة من الاتقان والسيطرة إضافة الى إحساس أعم بالقدرة الذاتية.
يتسارع نمو هذا الجانب من الشخصية بين السنتين الثانية والخامسة، ويمكن النمو الإدراكي الحركي الأطفال خلال تلك السنوات من أداء الكثير من الأفعال التي تزيد من فرصهم في تجارب الاتقان والسيطرة. تساعد اللغة نفسها الطفل على اكتساب فكرة أفضل عن أثره في محيطه. كما أن الأهل يلعبون دوراً هاماً في مساعدة أطفال ما قبل المدرسة لتنمية مشاعر قوية للاتقان والسيطرة. ولقد بحث هذا الجانب من سلوك الأهل وخاصة في مجالات التحصيل والدافعية والكفاءة في السلوك وتقدير الذات.
يشير مفهوم دافع التحصيل الى الميل الدائم للفرد نحو النجاح، ولقدراته على معاناة اللذة المرتبطة بإحساسه بالنجاح. وقد أعطت الدراسات في هذا المجال نتيجتين محددتين: (1) يتشكل دافع التحصيل خلال سنوات ما قبل المدرسة بتشجيع قوي من الأهل مصحوب بمطالب معتدلة.
(2) يرتبط دافع التحصيل مباشرة بالتدريب الخاص في فعاليات التحصيل التي يوفرها الأهل للولد خلال فترة ما قبل المدرسة.
عرفت الكفاءة في السلوك أو ما يسمى بالكفاءة الوسيلية في سلسلة من الدراسات بأنها السلوك الاجتماعي المسؤول والمستقل. وجد بومرنيد أن الأطفال الذين كانوا أكثر اعتماداً على الذات وتوجيهاً لها، وأكثر ميلاً للاكتشاف وأكثر اقتناعاً بما يفعلونه مع أقرانهم، قد تحدروا من أهل على درجة من المسؤولية الاجتماعية وتأكيد الذات. لقد وضع هؤلاء الأهل حدوداً معينة لأولادهم وفرضوها في سلوكهم لكنهم كانوا دافئين غير رافضين لأولادهم وراغبين في توضيح الأحكام التي يطلبون الى أولادهم الخضوع لها، في الوقت نفسه الذي كانوا فيه يشجعون صغارهم على تقبل التحدي.
وجد بومرنيد، إضافة الى ذلك، أن الأطفال الذين كانوا انسحابيين، وشكاكين بذواتهم كان أهلهم شديدي التقيد والوقاية والتوجيه. لقد ترك أهل هؤلاء هامشاً ضيقاً للحوار مع أولادهم وأنكروا عليهم الفرص للمغامرة ولتجربة الجديد واتخاذ القرارات. وكان لفئة ثالثة من الأولاد الذين عدوا أقل اعتماداً على الذات، وتوجيهاً لها، وأقل ميلاً للاكتشاف من أندادهم، أهل تسامحيون دافئون. لقد فشل الأهل، بتبنيهم أسلوباً فوضوياً يفتقر الى التوجيه والمطالبة بأداء الواجب في إقامة أية معايير محددة يستطيع الأطفال لاحكم على كفاءة سلوكهم في إطارها، كما فشلوا في تشجيع الأطفال على تقبل أي ضرب من التحدي. توازي تلك النتائج في مجال الكفاءة في السلوك ما عرف حول أصول دافع التحصيل. أي إن الأهل الذين استمروا في دفع أولادهم لانجاز ما قد يستطيعون إنجازه في الوقت نفسه الذي استمروا فيه يدعمون جهود الأولاد بالمديح والتشجيع يخلقون مستويات رفيعة من الكفاءة في السلوك.
وتقدير الذات هو القيمة التي يسبغها الناس على ذواتهم والمدى الذي يتوقعون النجاح وفقاً له فيما يفعلون. يعد عم لكوبرسميث أدق الدراسات حول العوامل التي تقود الىتقدير الذات والتي تعد نتائجها متوافقة مع دراسات الدافعية للتحصيل والكفاءة الوسيلية. فقد بين الباحث أن الأهل الذين لهم أولاد على درجة من تقدير الذات يميلون لأن يكونوا دافئي التقبل للآخرين ولأن يقيموا حدوداً واضحة لسلوك أطفالهم في الوقت نفسه الذين يسمحون فيه ببعض المرونة في إطار تلك الحدود. وكما هو الأمر لدى بومرنيد، فإن كوبرسميث وجد أن أهل أولئك الأطفال الذين هم على درجة رفيعة من تقدير الذات يميلون لأن يكونوا نشيطين هادفين وواثقين بذواتهم نسبياً.
قد يكون غريباً، الى هذا الحد في نقاشنا حول مشاعر الاتقان، ألا نقيم تمييزاً بين البنات والصبيان. ولكن ثمة نتائج دالة تؤكد قيام فروق جنسية في السلوك المرتبط بالتحصيل. فالصبيان أكثر ميلاً من البنات للإنجاز بتأثير الدأب والاتقان. ودافعية البنات للإنجاز تقوى بسبب الحاجة للاستحسان الاجتماعي. لقد نسبت الفروق المشار إليها الى بعض القوالب الفكرية بصدد الدور الجنسي في عالمنا المعاصر. فتقاليدنا الاجتماعية تفرض أن يكون الأولاد عدوانيي، استقلاليين وتنافسيين. وعلى البنات أن يبقين اتكاليات خضوعيات وهامشيات. يقال، بسبب تلك القوالب الفكرية، إن البنات معرضات لفرط الوقاية ولا يتشجعن للسيطرة على المهام الصعبة بحيث ينشأن أقل ثقة بذواتهن وأقل نجاحاً من أندادهن الصبيان.
خلص مكوبي وجاكلين، في معارضة مثل تلك المعتقدات، وبعد مراجعتهما الشاملة للبيانات المتوفرة، الى القول بأن الصبيان والبنات لا يختلفون في كفاحهم نحو التحصيل وأن الصبيان والبنات لا يختلفون في كفاحهم نحو التحصيل وأن الصبيان في مجتمعنا لا يلقون تشجيعاً لتخطي البنات في التحصيل والاتقان. ولسوء الحظ، لم تقوّم الدراسات التي اعتمدها مكوبي وجاكلين وفق الأصول الصحيحة للمنهج العلمي، فقد اعتمد الباحثون في بعض الدراسات على قياسات فجة واستخدموا في دراسات أخرى أطفال ما قبل المدرسة، الأمر الذي لم يسمح بدراسة الفروق الجنسية الحقيقية التي لا تتضح إلا في الطفولة المتوسطة أو حتى في المراهقة. ويتلخص كل ما يمكن أن يقال اليوم بصدد الفروق الجنسية في الاتقان بالنقطتين التاليتين:
1) تميل بعض السلطات التربوية البارزة لتأكيد وجود فروق جنسية في الاتفاق ميل سلطات أخرى لنفي تلك الفروق. 2) ثمة حاجة الى المزيد من الدراسات التي تصمم وفق أسس منهجية جيدة لتقصي الفروق الجنسية وتأكيدها أو نفيها.
يمكن أن تكون لصياغة ايركسن حول علاقة الوالد مع أولاده أهمية خاصة تستدعي الاهتمام في هذا المجال. لاحظ الباحث أنما يعانيه الأطفال في علاقتهم بأهلهم يؤثر في تكوين مشاعرهم الأساسية من الثقة أو الشك بعالمهم. يؤكد ايركسن بصدد الطفولة المبكرة أن نمط التفاعل بين الأهل والأولاد يحدد ما إذا كانت الذاتية، أو الخجل، أو الشك هي التي ستشكل السمة الأساسية لشخصية الناشئ. فإن استطاع الأهل تشجيع أولاد ما قبل المدرسة على الاعتزاز بذواتهم في تحصيلهم نمىّ الأولاد شكلاً من أشكال الذاتية، وهو شعورهم بأنهم يستطيعون توجيه ذواتهم ومحيطهم. أما إذا منع الأهل أولادهم من فعل الأشياء المعقول كما يرغبون، أو إذا هم غالوا في مطاليبهم مال الأولاد لمعاناة الخجل والشك بقابلياتهم وقدرتهم على التأثير بمصيرهم نفسه.
ثمة تمييز قاطع بين دوري الأم والأب في تنشئة الطفل. فالأمهات يبقين في البيت في غالب الأحيان ويعنين بأطفالهن، في حين يغادر الآباء المنزل لكسب الرزق. ولا يتوقع للمرأة أن تكسب الخبز ما لم تكن الأسرة مدقعة والوالد كسيحاً أو عاطلاً عن العمل. كما لا يتوقع من الوالد أن يغير خروق الطفل أو يطعمه ليلاً أو أن يعنى بالحاجات الأساسية للأطفال إلا عندما تكون زوجه مريضة أو بعيدة عن البيت. إلا أن تلك الفروق بدأت تختفي من مجتمعات اليوم. إذ بدأت النساء يزحفن الى العمل بأعداد متزايدة وذلك لاستغلال مواهبهن ولإرضاء ذواتهن، ولكسب المال. وبدأت أكثر الأسر تعدّ الطفل مسؤولةي الزوجين معاً. ولكنه على الرغم من ذلك فإن الأطفال وخاصة في الأسر التقليدية لازالوا يبدون تعلقاً بأمهاتهم وتبقى الأم أهم شخص للطفل خلال فترة ما قبل المدرسة. فالطفال يصرفون أغلب وقتهم مع أمهاتهم بحيث يمثل سلوكهن التأثير المحيطي الأهم من سواه إن لم يكن الوحيد في شخصية الطفل ونموه الاجتماعي. ويشارك المرأة في تأثيرها بابنها الزوج وبدرجة محدودة الأخوة والأعمام والأخوال. دور الأب
يمكن للآباء تحمل العديد من مسؤوليات العناية بالرضع، خاصة إن كان الأطفال يتغذون من الزجاجة، الأمر الذي يجعلهم يوزعون تعلقاتهم المبكرة بين الأم والأب. ولأولاد ما قبل المدرسة فرص عديدة للتفاعل مع آبائهم، منها زيارة حديقة الحيوانات والمتاحف أو حتى إصلاح دمية محطمة. ولقد أجرى الباحثان لين وكراش دراسة حول اهتمام أطفال ما قبل المدرسة بآبائهم. بينت الدراسة أن أولاد الثانية والثالثة والرابعة فضلوا اللعب مع الأب. كما أن الأب قد فضّل من قبل بنات الثانية. أما بنات الثالثة فقد أبدين رغبة محدودة في اللعب مع الأب وميلاً واضحاً للعب مع الأم. وهذا ما يدعم الرأي القائل بميل الأطفال في السنة الثالثة الى تقمص دور الوالد من الجنس نفسه.
يعتقد أن التفاعل المتزايد لأبناء ما قبل المردسة مع آبائهم يساعدهم على إدراك أن لهم والدين مختلفين يعنيان بهم. ولقد كان الأولاد من قبل يلقون عناية الأم وحدها، وهم الآن يطلبون عناية كلا الوالدين. هذا مع العلم أن بعض الأولاد قد يظهر تعلقاً واضحاً بالأب. فقد يسأل الصبي أباه عن بعض الحلوى لأنه يعرف أن والده يعطيه الحلوى وأن أمه قد تقول لا، لانشغال بالها بصحة أسنانه. وهكذا تنمو قابلية أبناء ما قبل المدرسة في بعض الأحيان، الى خلافات حادة بين الوالدين حول طريقة معملتهم للأطفال. يغدو أولاد ما قبل المدرسة مهرة في الهزء من حكم يصدره أحد الوالدين في ضوء ما يقوله الوالد الآخر. وهم يقدرون على التعبير عن تحيزهم وذلك بهدف السيطرة على كلا الوالدين وتوجيه سلوكهما. ولا شك ان من الأفضل للأولاد والوالدين معاً أن يقوى الوالدان على مقاومة "اللعب بهم" من قبل ابنائهم. وعلى الرغم من عدم وجود طريقة مثلى لتربية الصغار فإن على الأهل أن يحاولوا تجربة واحدة من الطرق وأن يتمسكوا بها، وذلك باعتبار أن موقف الوالدين الموحد تجاه الأبناء يساعد على تبني المعايير الخلقية السليمة. والحقيقة المسلم بها هي أن حزم الوالدين يمنع الأطفال من التفكير بأن في مقدورهم تحصيل ما يرغبون لمجرد طلبه.
إن الدراسات التي تناولت دور الوالد في تنشئة أطفال ما قبل المدرسة عديدة ومتنوعة. تؤكد أغلب تلك الدراسات أنا لوالد يلعب دوراً حاسماً في نمو طفل ما قبل المدرسة. إذ أن لصغار تلك المرحلة الذين لهم والد ملتزم بدوره التربوي مفهوماً إيجابياً حول الذات ومشاعر جيدة حول كون الواحد منهم صبياً أو بنتاً، وقدرة على معاشرة الصغار والراشدين وتوفير شروط النجاح الجيد في المواقف التحصيلية. أما الأطفال الذين يتغيب آباؤهم عن البيت، أو يهملونهم، فإنهم مزعزعو الإحساس بالذات تنتابهم صراعات حادة حول دورهم الجنسي. ويستطيع الوالد الملتزم بأداء واجبه التربوي مساعدة طفلته في تشكيل إحساسها بالرضى عن جنسها، وذلك بإبدائه السعادة لولادة الطفلة، وبمعاملة البنات كما يرغبن في أن تعاملن، وكما يعامل اخوتهن. إن ذلك يساعد البنت على إقامة مفهوم نسوي إيجابي بخصوص ذاتها كأنثى. وبتعبير آخر تلعب العلاقة الوالدية بالفتاة دوراً كبيراً في تشكيل شخصيتها الأنثوية بدءاً من مرحلة ما قبل المدرسة. ولقد أجمعت الدراسات على أن البنات اللواتي يفتقدن الى العلاقة الحميمة مع آبائهن يتسمن بالاتكالية والخضوع ويظهر ذلك واضحاً خلال المراهقة مما يجعل حياة البنت صعبة آنذاك ويزعزع مفهومها عن ذاتها وعن شخصيتها الانثوية.
ومن نافلة القول، الإشارة الى أن العناية الوالدية الحسنة بالطفل لا تقاس بالزمن الذي يصرفه الوالد بالمنزل، فالآباء الباردون أو الذين لا يبدون اهتمامهم بأولادهم عاجزون عن أن يوفروا العناية الملائمة بالصغير على الرغم من وجودهم المستمر في البيت. وعلى النقيض من هؤلاء، الآباء الذين يصرفون جل وقتهم في العمل، ويكونون مهرة في ممارسة علاقات إيجابية مع أبنائهم. المهم، إذن هو نوع علاقة الوالد بطفله وليس مقدار تلك العلاقة. ولسوء الحظ فإن الكثير من الدراسات التي قامت في تحديد أثر علاقة الوالد بطفله قد أهملت هذا المبدأ. وعلاوة على ذلك فإن الأثر السيء الذي يتركه غياب الوالد عن البيت يختلف بتباين الظروف. ويبدو أن غياب الوالد أقل تأثيراً في نمو الولد أن هو حدث في الطفولة المتوسطة أو المراهقة. ثم أن الكثير من الأدلة يشير الى أن في مقدور اطفال ما قبل المدرسة تكييف ذواتهم لغياب والدهم القاهر كما هو الأمر في حالات الموت أو المرض أو الطلاق أو العمل، خاصة ان اتصفت العلاقات الزوجية بالطيبة وتحدثت الزوجة بصدق وشرف عن زوجها عندما يكون غائباً. أخيراً إذا كانت علاقة الطفل بأمه دافئة، شجعت تقبل الطفل لجنسه وعززت تفاؤله بنفسه وقضت على الأثر السيء لغياب الوالد عن الطفل. العلاقات مع الأشقاء
تبدأ خلال مرحلة ما قبل المدرسة علاقات في غاية الأهمية بين الأشقاء. ويعاني أكثر الولاد البكر تجربة إنجاب الأم لولد آخر، كما أن الولد الأخير يستغرق في ضرب جديد من العلاقات مع أشقائه الأكبر منه. وتتميز علاقات الأشقاء بمشاعر الحسد والتنافس، التي تبرزها أكثر الأعمال الادبية. تروي التوراة قتل قابيل لأخيه هابيل. وفي الأسطورة اليونانية قتل أولاد أوديب أحدهم الآخر في صراعهم ليكون كل منهم ملك طيبة.
غالباً ما يكون قدوم الأخ الجديد أو الأخت الجديدة حادثاً مدمراً لحياة أبناء قبل المدرسة وخاصة منهم الأولاد البكر الذين سبق أن تمتعوا بملكية كاملة لانتباه الوالدين. تشير أغلب الملاحظات الى أن المولود الجديد يعد دخيلاً مزعجاً. ويميل أبناء ما قبل المدرسة للتعبير عن شقائهم بوصول الأخ الجديد بصورة غير مباشرة وذلك عبر الملاحظات البريئة التي توحي بالرغبة بإزاحة الوليد من الأسرة. وفي حالات كثيرة ينكص الولد الكبير في بعض مهاراته المكتسبة فيرجع الى الزجاجة بعد أن يكون قد استخدم الملعقة لفترة طويلة في تناول الطعام، أو يوسخ فراشه بعد أن يكون قد سيطر على حركة مثانته. تعكس ضروب النكوص تلك تباطؤاً مؤقتاً يعكس الهدف العميق للولد في أن يرجع طفلاً يتلقى ما يتلقاه الصغير من عناية.
توحي الدراسات الأسروية بعدد من السبل التي يستطيع الأهل وفقها مساعدة طفل ما قبل المدرسة على تجنب ردود الفعل السلبية نحو الوافد الجديد أو التغلب عليها. ومن المفيد بوجه الخصوص، أن يعمد الأهل لدفع الولد الكبير للمشاركة بقرارات الأعداد لاستقبال الصغير أو حتى للمساعدة في العناية به بامساكه أو إمساك الزجاجة لإطعامه. كما أن أكثر أطفال ما قبل المدرسة يحتاجون لطمأنتهم بأن دماهم وممتلكاتهم الخاصة لن تعطى للوليد الجديد وهذا ما يرسخ إحساس ابن ما قبل المدرسة بالأهمية وبأن له مكاناً مأموناً في الأسرة، الأمر الذي يجعله أميل للتكيف مع الوضع الجديد.
التفاعل مع الأشقاء الكبار
تتأرجح علاقات أطفال ما قبل المدرسة بإخوتهم وأخواتهم بين الزمالة والمنافسة. يتعلم الصغار احترام الكبار مقابل السماح لهم بالبقاء معه أو الرجوع اليه طلباً للعون والوقاية. إلا أن الصغير يحارب الامتيازات التي يتمتع بها الكبير ويتنافس معه من أجل الانتباه والاستحسان. يسر ابن ما قبل المدرسة كثيراً ان وافق أخوه الكبير على مشاركته اللعب أو تعليمه. إلا أن هذا الصغير نفسه يرحب بالفرص التي يستغلها ليحكي لوالديه الفعل السيء الذي يأتيه الولد الكبير. يستطيع الأهل مساعدة الأشقاء على التعايش المشترك بإقامة مسؤوليات تتلاءم وعمر كل منهم، مما يمكن أبناء ما قبل المدرسة من التأكد بأن ما يسمح لهم به أو يتوقع منهم يتوقف فقط على عمرهم ومقدرتهم وليس على تنافسهم مع أشقائهم الأكبر منهم. فإذا لم يراع الأهل الفروق العمربية بين الأولاد ومنعوهم من المنافسة التي تقوم على اعتبار شخصياتهم الفردية، أساؤوا الى العلاقات بين الأشقاء. إذ يميل الكبار الذين يعطون امتياز ملازمة أشقائهم الأصغر منهم للاحساس بأنهم يصغرون في السن فيحسون بفقدان الثقة بقابلياتهم. إما الأولاد الصغار الذي يعطون مسؤوليات أشقائهم الأكبر منهم، فيصابون بالغبن والإحباط وذلك لعجزهم عن مواجهة تلك المسؤوليات.
التفاعل مع الأقران
يقيم الأطفال أثناء مرحلة ما قبل المدرسة أول احتكاكاتهم وأهمها مع أقرانهم. فالآن وقد أحسوا بقوة عضويتهم، وبلهفتهم لاكتشاف العالم من حولهم خارج بيتهم، وبعدم حاجتهم الى النصح الدائم، فإنهم يدخلون عالم لعب الطفولة الجميل. في هذا العالم الجديد يزداد اهتمامهم بأقرانهم وبالراشدين معاً. هذا مع العلم أن الأولاد في عمر الثانية يصرفون في اللعب الفئوي مع أقرانهم وقتاً أطول من نظيره الذي يصرفونه مع الراشد.
استخدمت اركمن ورفاقها، بغية تنميط نمو اللعب الاجتماعي خلال السنة الثانية من الحياة موقف لعب تجريبي فوضعت الاطفال من أعمار 11 شهراً، و17 شهراً، و23 شهراً مع امهاتهم في الملعب الى جانب طفل آخر من السن نفسها. وكان الطفل الآخر مع أمه أيضاً. لاحظت المجربة عندئذ ولمدة عشرين دقيقة، مدى لعب الطفل بمفرده أو مع الآخر، أو مع أمه، أو مع أم الطفل الآخر. أبانت النتائج ظهور اللعب الاجتماعي في السنة الثانية من العمر كما أظهرت الاهتمام المتصاعد للأطفال بلعب بعضهم مع بعض وليس مع أمهاتهم. وما أن يصل ابن ما قبل المدرسة السنة الرابعة أو الخامسة من عمره حتى يلتفت كلياً الى أقرانه، دون اهتمام بالراشد، بحثاً عن الانتباه والمديح. يساعد التفاعل المتزايد مع الأقران على جعل الطفل أكثر وعياً باختلافه عن سواه، إذ أنه يرى أطفالاً آخرين أكبر منه أو أصغر منه، أو أقوى منه أو أحسن منه، ويتعرف أن لبعض هؤلاء جلداً أسمر وللآخرين جلداً أصفر أو أبيض. ويكتشف ابن ما قبل المدرسة، وبالتدريج إن الأطفال يأتون من أسر تختلف عن أسرته، وأن لبعض الأولاد أشقاء، وأن أهل بعضهم صغار السن، وأن أحدهم فقد أحد والديه وأن الأطفال الآخرين يتناولون وجباتم في أوقات مختلفة عن حاله هو، وإن لهم دمى مختلفة عن الدمى التي يمتلكها. يتسع هذا الضرب من المساهمة الاجتماعية النامية مع الأقران ويوسع خبرة الطفل، فيحاصر أهله بأسئلة لا تنتهي عن سبب اختلاف الحياة في الأسر الأخرى. إضافة الى ذلك فإن أبناء ما قبل المدرسة يدركون الفروق فيما بينهم في القدرة العقلية وفي سمات الشخصية فيتعلمون أن بعض الأولاد أكثر تقدماً منهم في اللغة وفي سمات الشخصية فيتعلمون أن بعض الأولاد أكثر تقدماً منهم في اللغة أو في المهارة الحركية، مثلاً ويرون مدى بروز أولئك الذين سيكونون قادة أو أتباعاً، ونتيجة لذلك فإن بعضهم يغدو أكثر شعبية مع أقرانه من الآخرين. أشارت الدراسات بوضوح الى الخصائص المرتبطة بالشعبية. فأبناء مدرسة الحضانة وبناتها المحبوبون هم أطفال وديون تعاونيون قادرون على توفير الاهتمام والاستحسان اللذين يتلهف اليهما الصغار.
للعب أهميته الكبرى إذن في نمو الشخصية والاهتمامات الاجتماعية خلال فترة ما قبل المدرسة. فالأطفال الذين يحرمون فرص اللعب إنما يضيعون تجربة تعلم اجتماعي حية، فيكونون، نتيجة لذلك، أقل من الآخرين ثقة بذواتهم أو تأكيداً لتلك الذوات سواء في الأسرة أم في العالم الخارجي. أبان جفرسون ورفيقه أن ثمة علاقة ذات دلالة بين كمية المساهمة الاجتماعية من جانب صبيان وبنات السابعة والنصف وبين ظاهرة التفاعل مع الأقران. يستطيع أبناء ما قبل المدرسة إضافة لتلك المساهمة الاجتماعية العامة الاستفادة من التفاعل القوي مع الأقران بعيداً عن المنزل وعن نصح الأهل. ففي حين أن الغياب عن البيت لفترة قصيرة لمقابلة زملاء جدد واللعب معهم إنما يكون إعداداً جيداً لسنوات المدرسة المقبلة، فإن دخول الولد، الذي لم يسبق له أن غادر جانب والده الى المدرسة الابتدائية قد يكون مصدراً ضخماً للقلق.
التأهيل الاجتماعي
التأهيل ظاهرة يكتسب الأطفال بوساطتها الحكم الاجتماعي والتوجه الذاتي الذي يلزم لتحويل الناشئ الى راشد مسؤول في مجتمعه. فالطفل لا يولد بمفهوم جاهز عن الخطأ والصواب، أوبتصور واضح للسلوك المستحسن والمستهجن. ولا شك أن النضج المعرفي الذي يتحقق خلال سنوات ما قبل المدرسة يفيد في شحذ تدريجي لقدرة الأطفال على إصدار الأحكام الاجتماعية وعلى توجيه سلوكهم في ضوء تلك الأحكام. إلا أن محتوى التأهيل الاجتماعي، أي الأفكار الخاصة التي يشكلها الصغار بصدد الملائم والمنافي من السلوك لا تحدد بالنضج بل بتجربة الطفل. وفوق كل شيء، فإن الحكم الاجتماعي وتوجيه الذات يتشكلان عن طريق ضبط الأهل لسلوك الولد وبالأمثلة المشخصة التي يقيمونها له. بهذه الطريقة ينقل الأهل لابنائهم الاتجاهات، والتقاليد والقيم والمعايير العامة للأخلاق في المجتمع إضافة الى القيم المميزة للبيئة الاجتماعية الصغرى، وخاصة منها عرق الوالدين، ودينهم، وأصلهم القومي، وطبقتهم الاجتماعية، وانحيازاتهم السياسية.
يستجيب الأطفال لتأثير والديهم بتشكيل منظومتين متكاملتين من المعايير هما الوجدان والأنا المثالي. يبدأ تكون الوجدان أولاً عندما يتقبل الطفل المحرمات المفروضة عليه. والوجدان صوت داخلي يستمر في ترداد الأمر الوالدي للطفل "بألا" يسطو على ملكية الغير مثلاً، في غياب الوالدين. ويتشكل الأنا المثالي، ثانياً، من مجموعة الأهداف والقيم الايجابية المكتسبة. والأنا المثالي مهماز تحريضي داخلي من الطموح والواجبات، وهو لا ينفصل عن الوجدان، فعندما يقدم الطفل على اقتراف السلوك المحرم ويخضع وجدانه للإحساس بالإثم وهذا ما يستثير الأنا المثالي ويدفع الى الإحساس بالعار للتقصير عن تحقيق ما يتوجب تحقيقه. يتحقق التأهيل الاجتماعي أخيراً، عندما:
(1) يعمد الأهل الى ضبط أولادهم بسبل تساعدهم على تشكيل وجدان ملائم. (2) يكون الأهل أنفسهم أمثلة مشخصة للحكم الاجتماعي والسيطرة على الذات بحيث يتقمصهم أبناؤهم. فالضبط والتقمص عاملان أساسيان في التأهيل.
تبين أن الضبط سواء بصيغة الثوات أو بصيغة العقاب، يساعد الأطفال على تكييف سلوكهم وتعلم السيطرة على الذات. فقد أعطي الصغار فرصة الحصول على دمية جذابة وأخرى غير جذابة. ومدح الأولاد وأعطوا قطعة من الحلوى عندما امسكوا بالدمية غير الجذابة، ولم يمدحوا ولم يعطوا شيئاً عندما امسكوا بالدمية الجذابة. وكان الأولاد الذي مروا بالتجربة، عندما يتركون لأنفسهم يميلون لحرمان ذواتهم من الدمية الجذابة ويأخذون الدمية غير الجذابة. وتم الحصول على النتائج نفسها عندما عوقب الأطفال في مثل تلك المواقف. والطريف أن الثواب والعقاب أن أنزلا بالولد عندما يكون في طريقه الى إمساك الدمية تزيد آثارهما على ما هي عليه عندما يبدأ اللعب بالدمية. أن أن فعالية الضبط تزداد في المراحل الأولى للسلوك عنها بعد أن يتخذ السلوك شوطاً طويلاً من مجراه.
ولا بد من الإشارة الى أنه من الصعب بمكان إقامة تعاميم حول آثار الضبط في سلوك الطفل. فبالإضافة الى أهمية توقيت الضبط وشكله من ثواب أو عقاب، فإن ثمة عوامل أخرى تلقي بآثارها، مثل من الذي يمارس الضبط؟ وملاءمة الضبط للموقف الخاص، وحساسية المبحوث نفسه للمديح أو للعقاب. لهذا، فإن أكثر الباحثين في ضبط السلوك ينصحون بكثير من الحذر في تفسير النتائج. من طرف آخر فإن الأطفال يستفيدون من الضبط في حالات:
(1) استمرارية الضبط. (2) كون الضبط إيضاحياً وليس عقابياً. (3) توجيه الضبط الى السلوك وليس الى الناشئ.
استمرارية الضبط
نعرف من الدراسات التجريبية حول التعلم أن السلوك الذي يخضع لتعزيز جزئي يثبت بقوة ويقاوم التغيرات أكثر من نظيره الذي يخضع للتعزيز المستمر. وبالمثل تبين أن العقاب المستمر للسلوك المستهجن يؤدي الى إضعافه بدرجة أقل من العقاب المتقطع. من الواضح ، إذن ، أن العقاب المتقطع للسلوك المستهجن يعمل بين الحين والحين كمعزز جزئي. يستطيع الأهل للإفادة من الوقائع المذكورة بصدد الضبط مساعدة أولادهم تعلم الأحكام الجيدة والسيطرة على الذات بموافقتهم على معايير سلوكية وتعزيز تلك المعايير. أما إن اختلف الأهل بصدد معايير سلوك الأولاد أو إن هم عاقبوهم مرة وأهملوا عقابهم مرة أخرى، فإن الأولاد في تلك الحالة يستمرون في اتيان السلوك المنافي للجميع مثل العدوانية والاستخفاف بالآخرين، والقسر، والرعونة تجاه الآخرين.
لماذا يقود الضبط المتذبذب الى ضرب فج من التأهيل الاجتماعي؟ إن هذا السؤال لم يلق جواباً بعد. تقترح إحدى الفرضيات أن الأولاد الذين يتعرضون لضبط متذبذب يميلون للاعتقاد بأن أهلهم أناس لا علاقة لعقاب الأهل وثوابهم بسلوك الناشئة، بل بظروف هوجاء يفشل الناشئة في السيطرة عليها. يعجز مثل هؤلاء الناشئة عن إقامة ما يسميه روتر "ببؤرة داخلية للتوجيه" فيسلكون بحسب رؤيتهم للحوادث الخارجية.
يفشل الناس الذين لهم "بؤرة خارجية للتوجيه" بتعبير روتر، في تنمية وجدان ملائم، فيرون مصيرهم كما لو كان في يد القدر أو في أيدي من يملكون القوة. ويقوم المانع الأول لهؤلاء عن الموبقة من خوفهم من أن يمسكوا ويعاقبوا. لقد دلت الدراسات على ميل الأطفال ذوي الؤرة الداخلية الى أن يحسوا بالإثم أن آذى سلوكهم الغير، خلافاً لأندادهم ذوي الؤرة الخارجية، فنادرا ما يعانون الإثم بسبب إيذائهم للآخر. كما يميل ذوو البؤرة الداخلية الى تقبل اللوم على الخطأ، والى الاعتراف بسوء الفعل، والى مقاومة محاولات الآخرين لدفعهم لارتكاب الأعمال اللاأخلاقية. كل ذلك خلافاً لذوي الؤرة الخارجية الذين هم نقيض الفئة الأولى في ضروب السلوك المذكورة. يقود تشكيل بؤرة ضبط داخلية إذن الى تكوين ناشء يتحول بسهولة الى راشد مسؤول.
الضبط الإيضاحي
يعد الضبط إيضاحياً إن هو طبق بطريقة هادئة ومعقولة، وكان رداً مناسباً علىخطأ معين. وعلى العكس من ذلك فإن الشتيمة الغاضبة والضرب المبرح اللذين لا يرتبطان بالفعل السيء أو اللذين يشتدان كثيراً يبقيان عقاباً بدائياً. فعندما يفرط الأهل في العقاب، أو يعاقبون عشوائياً، يغلب في طفل ما قبل المدرسة، الخامل المستكين الضعيف الجسم أن يرتعش ويهرب من العقاب ويخشى تأكيد ذاته. أما الطفل النشيط الواثق بنفسه القوي البنية فإنه يرد على عقاب الوالدين بالحقد والعدوان والتفجر الغاضب.
التنميط
ثمة صيغة رديفة للتقمص تقوم على إخضاع الأولاد لنمط ومعيار معين وتسمى بالتنميط. غالباً ما يؤدي التنميط الى خيبة أمل الوالدين اللذين يقوم ضبطهما لصغارهما وفق منهج "اعمل ما أقول"، بالنتائج التي يحصلون عليها. فالأهل الذين يركنون الى الضبط العقابي معرضون لمواجهة نقيض النتيجة التي يسعون اليها. وقد أوضح هوفمان الفروق بين الضبط الايضاحي ونظيره العقابي ووصف نوعين من الضبط، أولهما إثبات القوة ويشمل عقوبة فعلية أو تهديداً بها أو حرماناً من الأشياء المادية والامتيازات. ويتمثل النوع الثاني من الضبط بحجب الحب، وبه يعبر الأهل عن الغضب أو الاستهجان برفض الطفل، وبرفض الانصات له أو التحدث اليه، أو بالتهديد بهجره أو بطرده. يتضمن الضبط الايضاحي من جهة أخرى أساليب الاستقراء، حيث يوضح الأهل لطفلهم لماذا يريدونه أن يغير سلوكه. أما في الصيغة الأخرى للضبط الايضاحي والمسماة "بالاستقراء غيري التوجه" ، فيلفت الأهل الانتباه الى السبل التي قد يؤذي بها سلوك الناشئ الآخرين. تكشف دراسات إثبات القوة، وحجب الحب، وأساليب الاستقراء أن للطريقة المنتقاة تأثيراً دالاً فيما إذا كان الطفل سينمي رمزاً متيناً للسلوك (خلقاً قوياً) أو بؤرة خارجية للتوجه (خلقاً ضعيفاً). يرتبط استخدام اثبات القوة بالنمو الخلقي الضعيف، أما أساليب الاستقراء ، وخاصة عندما تكون غيرية التوجه، فترتبط بنمو خلقي متطور. ولا شك أن تقديم الايضاح للطفل يساعده على تشكيل منظومة داخلية من القواعد والتوقعات التي تساعده على توجيه سلوكه. أخيراً، لم يتبين أن حجب الحب يحمل أية علاقة دائمة مع مؤشرات النمو الخلقي.
الضبط السلوكي
يمكن للضبط أن يوجه إما الى سلوك الطفل (إن ما فعلته أمر بشع)، أو الى الطفل كشخص (لماذا أتيت بهذا السوء؟). وعلى العموم يمكن التأكيد بأن توجيه الضبط الى السلوك يساعد الطفل على المحافظة على احترامه لذاته، أما الضبط الموجه للطفل فيشعره أنه عاجز وغير محبوب وعلى الأهل أن يميزوا بين طفلهم كشخص وبين ما يفعله مما يتيح له أن يتساهل في تقبل الضبط. ليس صعباً على المرء أن يرى كيف يعمل الضبط الممارس بحب ودفء على مساعدة الطفل في اكتساب المعايير الخلقية. وتقبل الوالد لطفله مصدر تعزيز اكثر ثباتاً من رفضه له، الأمر الذي يجعله قادراً على تعليم الطفل الحكم الاجتماعي والتوجيه الذاتي. وبالمثل، فإن استهجان والد محب أكبر أثراً من استهجان والد رافض وبارد وبعيد. ربما كان هذا هو السبب الذي جعل أكثر الدراسات تؤكد أن الوالد الذي يمارس الضبط بأسلوب دافئ محب يشجع الطفل على تنمية بؤرة توجيه داخلي. أما الضبط العقابي فيساعد على تنمية أخلاقية خارجية البؤرة.
التقمص
إنه فعل يتبنى فيه الفرد مشاعر الآخرين وأفعالهم واتجاهاتهم ويمارسها كما لو كانت مشاعره وأفعاله واتجاهاته هو. والتقمص الذي وصفه فرويد وغيره من نظريي التحليل النفسي لا شعوري الى درجة كبيرة، الأمر الذي يعني أن المتقمص لا يعي أنه يتبنى سلوك شخص آخر ومشاعره واتجاهاته. فالتقمص يختلف عن التقليد الواعي على الرغم من أن الفعلين يسهمان في نمو الشخصية بذات الطريقة والاتجاه.
يبدأ الصغار مبكراً في الحياة بتقليد كلام والديهم وملامحهم وتفضيلاتهم. فلا يتوانى الصغير عن تصبين ذقنه تقليداً لوالده في حلاقة ذقنه أو الصياح بوجهه تقليداً لما قالته أمه بأنه لا يبجب أن يبقى بمفرده في المنزل أو لا يحب أن يتناول الغذاء في المنزل دوماً. يتشكل التقمص بتعزيز واضح أو ضمني، فملاحظة الأم أو الأب لفعل الولد أو قوله تعمل على تعزيز الفعل باتجاه السلب أو الإيجاب.
تنمو أفعال التقليد المذكورة خلال فترة ما قبل المدرسة الى ظاهرة تقمص واضحة، وذلك بانتقال الولد من مجرد تقليد أحد والديه الى محاولته مسخ نفسه على شاكلة الوالد. يبدي الولد أحياناً، تلهفاً واضحاً لتقليد الوالد.
لا بد من الإشارة الى أن أكثر المختصين لا يقيمون تمييزاً بين التقليد والتقمص. يلح نظريو التعلم الاجتماعي البارزون أمثال باندورا ووالترز على أهمية التكيف الاجتماعي للفرد وعلى خضوع هذه العملية لنفس المبادئ التي تتحكم في ظاهرة التعلم، مما يجعل مفهوم التقليد قادراً على تفسير ذلك الجانب من نمو الشخصية (باندورا، 1964). إلا أن لنا سبباً معقولاً يدفعنا لاستخدام كلمة تقليد للإشارة الى النسخ الجزئي لسلوك الفرد، وكلمة تقمص للدلالة على النسخ الكلي له. ثم إن التقليد لا يتطلب القابليات المعرفية الإدراكية اللازمة للتقمص.
يستطيع الفرد تقليد بعض أفعال الآخر بصورة آلية لكنه يعجز عن أخذ دور الآخر ما لم يتعاطف معه ويتقبل طريقة شعوره وتفكيره. دلت الدراسات على أن القدرة على أخذ الدور تنمو لدى الأطفال في السنة الثالثة أو الرابعة. وتوفر تلك الدراسات الأساس لتمييز التقليد المبكر من التقمص. ولا شك أن التقليد والتقمص يختلفان بالنسبة للناس الذين يتخذون نماذج للتقليد. فالتقمص يحدث مبدئياً في سياق علاقة قائمة حميمة بين الناس، خلافاً للتقليد الذي قد يتم نتيجة ملاحظة موجزة غير هامة. نتيجة لذلك يعمد أطفال ما قبل المدرسة، الى تقمص أهلهم وتقليد الآخرين.
دارت الدراسات في مجال التقمص حول العوامل التي تسهم في تشكله. يظهر أن التشكل المذكور يحتاج الى الدفء والقوة، فيقوى تقمص الأولاد لأهلهم إن هم أحبوهم وتقبلوهم، ويضعف إن لم يحس الأولاد بالمودة لوالديهم. اضتحت إضافة لذلك، ثلاثة عوامل هي:
(1) التشابه فيقوى التقمص عندما يقوم تشابه مدرك بين الأولاد وأهلهم. (2) الإدراك الواضح إذ يستطيع الأولاد تقمص والديهم عندما يدركون بوضوح طبيعة الوالد كنموذج. (3) التعزيز، فيشتد التقمص ويقوى، شأن التقليد،بإبداء الوالدين لإمارات السعادة والاستحسان لفعل الولد أو لسلوكه.
يقوى التقمص ويشتد، إن دلل الولد على إدراكه للتشابه مع والده ويضعف فيما عدا ذلك خاصة في غياب الوالد عن البيت أو في امتناعه عن التفاعل مع الولد وحرمانه له من فهم تلك التشابهات. قد يحدث أن يدرك الولد تلك التشابهات ويعبر عنها بوضوح كقوله "أنا آكل بيدي اليسرى مثل ماما" وطبيعي، تحقيقاً للعامل الثالث، إن يستحسن أحد الوالدين فعل الولد وقوله لكي يثبت التقمص ويشتد. لا بد في ختام شرح عوامل التقمص من التذكر بأهمية التقمص كظاهرة في عملية التأهيل الاجتماعي تتحقق في معظمها عن طريق تقليد نموذج حي في محيط الناشئ. توفر دراسة مظاهر الشخصية المتمثلة بالعدوان، والغيرية، والتقمص الجنسي مثالاً حياً يوضح تفاعل التقليد مع التقمصعند أطفال ما قبل المدرسة، لصنع راشد المستقبل من طفل اليوم.
العدوانية
يتسم سلوك الناس جميعاً بضرب من العدوانية في وقت ما. ويبدو أن العدوانية قدر أو شرط للنمو السوي في السلوك البشري. حاولت النظريات المختلفة إيضاح أصل العدوان بعدّه سمة موروثة تنمو استجابة لتجارب الاحباط في الطفولة، أو بعدّه سلوكاً يكتسب عبر التعزيز الوالدي أو الاجتماعي. وعلى الرغم من ضخامة حجم ما كتب بصدد العدوانية، فإننا لا زلنا نجهل كيف ينقلب الأطفال عدوانيين أو لماذا يتحولون الى العدوانية. وكل ما نعرفه الآن هو أن العدوانية تتباين مع العمر وأنها تنشأ من ملاحظة النماذج العدوانية أي بالتقليد والتقمص. ولا بد، قبل وصف السنية في العدوانية، من التمييز بين العدوان الكرهي الذي يصوب للآخر وتصحبه مشاعر الغضب وبين العدوان الوسيلي الذي يتفجر عند صنع شيء أو بلوغه وهو غير شخصي على الرغم من احتمال تعرض الآخرين لآثاره. أما بالنسبة للفروق السنية فقد دلت دراستان تفصلهما أربعون سنة على قيام فروق واضحة في عدوانية الأطفال من ذوي الأعمار المختلفة. فحص داوز في عام 1934، شجار أطفال الحضانة الذي تتراوح أعمارهم بين 18 شهراً و65 شهراً. وفي سنة 1974، درس هارتوب التفاعل داخل عدد من فئات أطفال ما قبل المدرسة الذين تتراوح أعمارهم بين أربع سنوات وست سنوات، وفئات أطفال المدرسة الابتدائية من أعمار تتراوح بين ستة سنوات وسبع سنوات، وذلك خلال فترة عشرة أسابيع. أظهرت كل من دراستي داوز وهارتوب التالي:
1) على الرغم من أن عدوانية طفل ما قبل المدرسة وسيلية فإن العدوان الوسيلي يخف بصورة تدريجية بدءاً من السنة الثانية وحتى السنة الخامسة. 2) يترافق اضمحلال العدوان الوسيلي بتصاعد العدوان الكرهي. 3) يستمر كلا الاتجاهين حتى الطفولة المتوسطة وذلك إضافة الى انخفاض العدوان لجى أبناء السادسة والسابعة عما هو عليه لدى أبناء ما قبل المدرسة الذين يبدون مقداراً كبيراً من العدوان الكرهي.
ترجع تغيرات السلوك العدواني الى ظاهرة التأهيل الاجتماعي. إذ يؤدي اكتساب الأطفال للتحريمات الاجتماعية ضد العدوانية الى تعلمهم لجم نزواتهم العدوانية. من جهة ثانية تشتد العدوانية بفعل التعلم خاصة عندما يتقمص الصغير الكبير أو يقلده. قسم باندورا الأولاد الى فئتين: فئة الراشد الوديع وفئة الراشد العدواني الذي طلب منه ألا يبالي بدميته أمام فئة من الصغار. تبين بعد فترة من الزمن أن فئة الراشد العدواني من الصغار أبدت من العدوانية أضعاف ما أبدته فئة الراشد الوديع تجاه الدمية وأي شيء آخر. ولقد تأكدت نتائج باندورا بعرضه فيلم عدواني النزعة وآخر مسالمها على فئتين من أبناء الحضانة. إن للنتائج الأخيرة تطبيقاً واضحاً بصدد المادة الروائية ومضمونها ومسؤولية تلك المادة في التخفيف من عدوانية الناس عموماً والناشئة خصوصاً. الغيرية
تشير الغيرية الى سلوك يتصف بالرحمة والاعتبار والكرم والنفع للآخر. تبدي سمة الغيرية، شأن العدوانية استمراراً عبر الزمن وبعض العمومية، إذ أن الغيري، في وضع ما يبقى محافظاً على غيريته في أوضاع أخرى. تبدأ عمومية الغيرية بالظهور خلال فترة ما قبل المدرسة، فقد وجد بومرنيد درجة مرتفعة من الترابط بين درجات التعاطف والدعم ونفع الآخر في أطفال ما قبل المدرسة كما لاحظ بارو وواكسار أنماطاً ثابتة من المشاركة، والمساعدة، والمواساة بين أطفال تتراوح أعمارهم بين ثلاث سنوات وسبع سنوات. دعت تلك الملاحظات بعض الباحثين الى الاعتقاد بوجود نزعة طبيعية عميقة في الطفل لأن يكون رحيماً. وعلى هذا الأساس تظهر الغيرية حالما يقوى الصغار على تقدير مشاعر الاخر والتعرف على حاجاته. ويغاير آخرون أصحاب النزعة الطبيعية الرأي فيعتقدون أن الغيرية تتعلم كمعيار للسلوك الخلقي. في الواقع لا زلنا نجهل كيف ولماذا يصبح الطفل غيرياً جهلنا لـ "كيف" ولماذا تحدث تباينات الغيرية من الزمن. فحوالي السنة الثانية، وعندما يبدأ الصغار يعتدون الواحد على الآخر، يبدأون في الوقت ذاته، التشارك في الدمى والحلوى ويتعاطفون مع آلام بعضهم. لقد أكدت العديد من الدراسات على أن الغيرية والكرم يتصاعدان في النمو بدءاً من الثانية وانتهاء بالعاشرة. تجدر الإشارة هنا الى دراسة حول غيرية الأطفال في موقف مخبري على الرغم من أن هذا الموقف لا يوفر قياساً جيداً للسلوك في واقعه الحي. سمح للأولاد في موقف مخبري أن يكسبوا أقراصاً بلاستيكية تلزم للعب ضرب من القمار، وذلك بعد أن أخبروا بأن الجائزة التي تستبدل بالأقراص تزداد بازدياد عددها. سئل الأولاد بعدئذ، وقبل إبدال الأقراص بالجائزة أن يتبرعوا ببعض أقراصهم للأطفال المعوزين. مال أبناء المدرسة الى التبرع بأقراصهم أكثر من ميل أطفال ما قبل المدرسة، وأبناء السنة الحادية عشرة أكثر من ميل أبناء السنة السابعة. من طرف آخر، عندما لوحظ الأطفال في الموقف الطبيعي في الملعب تبين أن أبناء الثالثة وحتى الخامسة يميل بعضهم لمساعدة بعض بالقدر نفسه الذي يظهر عند أبناء الثامنة وحتى العاشرة. هكذا يبدي أبناء العاشرة حساسية لمساعدة الآخر، المعوز أكثر مما يبديه أبناء الخامسة، غير أن الرغبة في تقديم المساعدة للآخر عند أبناء العاشرة تصطدم بميلهم نحو الاستقلالية واهتمامهم بالتحصيل والمصلحة الذاتية مما يؤدي الى زعزعة مواقفهم الغيرية في أحيان كثيرة.
أخيراً لا بد من الإشارة الى أن الغيرية، كسواها من أنماط السلوك، يمكن تعزيزها وتشكيلها بملاحظة النماذج المستحسنة للغيريين. فلقد تبين أن الأطفال في المخبر الذين يشاهدون أعمال العطاء والمساعدة يميلون الى أن يكونوا كرماء ومحسنين. يتجلى الميل المذكور سواء أكان النموذج طفلاً أم راشداً أم فيلماً أم سلوكاً حياً. هذا إلا ان على الباحث أن يكون حذراً تماماً من تعميم السلوك المخبري المصطنع على الموقف الطبيعي. من جهة ثانية تشير الملاحظات الطبيعية الى أن أطفال الحضانة يقلدون السلوك الغيري لأقرانهم، وأنا لسلوك الغيري للأطفال يرتبط مباشرة بوجود والد على الأقل في البيت يمثل دور النموذج المستحسن. من الطريف أن نلاحظ بأن لتشكيل السلوك الغيري بالتقليد أثراً أقوى من الأثر الذي يتركه الوعظ المجرد، وهو أمر لا يختلف عما رأيناه بصدد سلوك التقمص.
التقمص الجنسي
وهو فعالية يشكل الفرد بها مفهوماً عن نفسه بعدّه ذكراً أو أنثى. وكما أشرنا من قبل فإن صبيان وبنات ما قبل المدرسة يعرفون الفروق المميزة في عضويتهم وأنهم سيصبحون رجالاً أو نساء في حالة الرشد. يوسع التقمص ذلك الوعي الجنسي لدى الأطفال بجعلهم يميلون لتقمص الوالد من جنسهم والدور الجنسي المرتبط به.
وعلى الرغم من أن الكثير منا لنظريات قد أكدت خضوع التقمص، من حيث المبدأ لضرب من التخصصص الجنسي من جانب الولد بحيث يميل الذكر لتقمص أبيه والبنت لتقمص أمها، فإن نتائج الدراسات تشير الى التشابه والتعزيز بعدّهما أبسط الايضاحات وأقربها الى الصحة. فالفروق الفردية تجعل الأطفال يميلون الى تقمص الوالد من جنسهم أكثر من تقمصهم للوالد من الجنس الآخر، ثم إن أغلب الأهل يشجعون ما يعدونه سلوكاً ملائماً لجنس الولد ويعززونه، وفي الوقت نفسه يعاقبون نقيضه.
من الضروري ملاحظة أن التمييزات التي يقيمها الأطفال بين الذكورة والأنوثة تختلف من أسرة لأخرى. إضافة لذلك، فإن المجتمع المعاصر يلغي بعض الأدوار الخاصة بكل من الجنسين، إذ أن بعض الصبيان يطلقون شعورهم وبعض البنات يجعلن شعورهن على نمط شعور الصبيان. كل ذلك على الرغم من وجهات النظر والقوالب الفكرية القبلية حول كل جنس ومقومات سلوكه، والتي تظهر خاصة عند أطفال ما قبل المدرسة الذين ما زالوا يعتقدون أن الوالد هو الذي يعمل في حين الأم تعنى بالبيت والأطفال، علماً بأن أكثر أمهاتهم يعملن خارج المنزل. كل هذا في نفس الوقت الذي تتضاءل فيه الحدود بين الأدوار، والذي تذهب فيه قرابة 40% من النساء الى سوق العمل، والذي يسمح فيه للمرأة بالقيام بعمل ذكري. وعلى الرغم من تغير العديد من الأدوار الجنسية، فإن ممارسات التأهيل في كل المجتمعات لا زالت تنتج أنماطاً سلوكية متميزة الأدوار في صبيان وبنات ما قبل المدرسة. يتشجع الصبيان لأن يكونوا فعالين، عدوانيين، تسلطيين، خلافاً للبنات اللواتي يقسرن على أن يكن خاملات، اتكاليات، وأكثر ميلاً للأخذ وتقبل المساعدة منهن الى العطاء وتقديم العون. وعليهن، في علاقاتهن بالآخرين، أن يخضعن لا أن يوجهن. وأخيراً يدفع ازدياد وعي الأولاد لسمات شخصيات والديهم واخوتهم الكبار، الى توجيه تقمصاتهم وتصعيدها نحو أدوار واتجاهات ترتبط بجنسهم. ولسوف نقتفي آثار تلك التقمصات في دراستنا للطفولة المتوسطة.
إرسال تعليق